الكاتبة اللبنانية الأستاذة نادين سلامة ، تكتب : الحياة مشروع "سعادة مؤجلة"
الوطن العربى اليومية - لندن..
للحياة معنى مختلف في نفوس البشر بقدر ما يقتنون من اختلاف وخلاف فيما بينهم.
للحياة نكهة جديدة عتيقة في شتى القلوب والشفاه.
فمن الناس من يرى للحياة نعمة تخبئها في أعماقها.ومنهم من يرى في الحياة نقمة تطمرها في باطنها. وهناك من يختار أنصاف الحلول ويقنع نفسه أن الحياة تتأرجح ما بين الحلو والمرّ، ما بين الخير والشرّ، ما بين الحرية الكاملة والقيّود المصطنعة.
وهذا النوع الثالث أو الاخير يحلو له أن يتفنن في اختيار صفات للحياة أو مصطلحاتها إذا أمكن التعبير. وعوضاً أن يختار لنفسه مرسى، يترك ذاته تبحر في قعر البحار ويركب سفينة صمّاء حينا ًوصارخة حيناً تتعالى فوق الامواج والجليد والرمال.
هذه هي الأنواع الثلاث من الناس في نظرتهم للحياة، أمّا أنا فهذه هي الحياة بالنسبة لي:
لا أرى الحياة نقطة أمل أو وادٍ أتسلّقه للوصول إلى حافة السعادة والطمأنينة. بل أرى في الحياة تحدٍّ أودعه في أعماق ذاتي، تحدٍّ جميل غريب رقيق أليف هو تحدّي الحياة لذاتي أو تحدّي ذاتي للحياة أو بالأحرى تحدّي ذاتي لذاتي ومكنوناتها الخفيّة وكنوزها المشرقة.
لعلّني أتكلّم عن "كلّي" بهمسٍ وأيضاً بصرخةٍ نسيتُها عندما إلتقيتُ بذاتي عند حافة السعادة.
أيّة سعادةٍ أتحدّث عنها وأنا ما قابلتُ السعادة إلّا حين أدركتُ جيّداً أنّ باب السعادة هو نفسه باب المشقّات. أدركتُ الآن فجأةً بعد سنين طوال أنّ طريق المشقّات والأحزان هو الطريق نفسه الذي يؤدي إلى السعادة.
كم حلمتُ أن أرتمي بكلّي في أحضان السعادة ولكنّها كم هربت منّي وكادت تقذفني في غلطةٍ إقترفتُها في "ساعة تخلٍّ" إلى الأبد.
لا معنى للحياة من دون سعادة أو يمكن أن نطلق عليها إسم "سعادة مؤجلة"، ولكن لا معنى أيضاً للحياة من دون تحدٍّ، من دون مشقّات وتحديّات وأحزان وصراخ وحتى بكاء وأيضاً أخطاء نقترفها في "ساعة تخلٍّ" أو حتى في لحظة ندم...
لا أقول لنفسي "سامحيني وإلتفّي من حولي من جديد، واذرفي الدموع ولكن دموع الفرح ثانيةً". ولن أتوسّل إليها أن تنسى هفواتي وتمرّ عليها "مرور الكرام" ولا تحتفظ لها سوى بموسيقى نادرة إستوحيتُها يوماً من الفجر بعدما أشرقت الشمس ثمّ غفت إلى جانبي على سريري الوفيّ العتيق.
ربّما دقّ "ناقوس الخطر" لأدرك "أنا كلّي" وتعرف نفسي أنّ الحياة من دون سعادة تبقى "حياةً ناقصة" وحتى "حياةً مؤجلة" وأنّ السعادة تبقى دائماً "العامود الفقري" للحياة... أمّا الدموع وخفقات القلوب "المستحبة وغير المستحبة أيضاً" هي "دعسات الأقدام" التي نسلكلها للوصول إلى السعادة وإلّا فتبقى السعادة "عادةً مزيّفة" "إكليلاً زائلاً" "فرحاً ذي رائحة قبيحة"... تبقى "سعادة رخيصة" لا تصلح للنفس البشريّة إلّا إذا دفعت ثمنها القلوب آلاماً وأوجاعاً ككلّ الأبرياء والأنبياء والقديسين والقديسات.
اليوم أدركتُ بعد طول غيابٍ وبعد "غيبوبةٍ عن ذاتي وجيزة" أنّ الحياة هي مشروع "سعادة مؤجلّة" ولكن "سعادة مؤكدة" ولا بدّ من حصولها يوماً...
http://dlvr.it/SsVS5D