تم النشر فى : الخميس، 5 أغسطس 2021
الناشر : مؤسسة الوطن العربى الإعلامية - لندن ، المملكة المتحدة . WA MEDIA FOUNDATION - LONDON, UK
نادين سلامة ، تكتب : هو أقوى وهي أرقى ، والحبّ ثالثهما
الأديبة اللبنانية الأستاذة نادين سلامة ، تكتب : هو أقوى وهي أرقى ، والحبّ ثالثهما
من منّا لم يسمع بحكاية أو أسطورة "آدم وحواء" أو إذا أمكن التعبير بقصة الحبّ الحقيقيّة أو الوهميّة التي جمعت بين الرجل الأوّل والمرأة الأولى "آدم وحواء". لعلّني أتكلم عن شيءٍ بات مألوفاً أو أصبح معلوماً من الجميع كباراً وصغاراً، وكيف أنّ حواء الجميلة قد أغوت آدم الصلب والقويّ بتفاحةٍ حمراء كانت السبب بطرده من جنة عدن وحتى من غفوة ضميره ونقاوة حياته.
أنا لا أتذكر أنّني قد سمعتُ هذه القصة أو الأقصوصة إلّا من شفاه جدّتي التي كانت تبتسم كثيرا وكأنّها كادت تتجاهل ماضيها وحاضرها الأنثويّ الخجول وتركت نفسها ترادوها أحلاماً شتّى عن المرأة الغاوية الجذابة والقويّة التي استطاعت استمالة نظر رجلها وقلبه وفكره من دون أن تكون هي ذاتها دائما،أي تلك المرأة الضعيفة المستضعفة التي لا تتذكر أنوثتها إلّا لتحضّر الطعام لها ولزوجها ولأولادها الذين أنجبتهم رغم صغر سنّها ورغم نسيان جمال أنوثتها أو حتى نكرانها.
أنا لا أتكلّم عن جدتي كأنّها المرأة الوحيدة التي فضّلت تذوّق الفاكهة الأطيّب في نظرها وكأنّها سمحت بغوايتها بدورها "تلك الأفعى اللعينة" و"تلك الأفكار الجنونيّة". بل أنا أتحدّث بفمي الأنثويّ وبلسان نساءٍ كثيرات فضّلنا الصمت عن تقاسم الخبز والماء والقلب والفكر وحتى"التفاحة الحمراء" مع عالم سائر الرجولة.
منذ القدم وهم يتحدثون عن قوّة الرجل وعن ضعف المرأة وكأنّ أصبح متوافقاً على بعض صفات الرجولة وبعض صفات الأنوثة... فكأنّ الرجل كلّما كان قويّاً كلّما حلمت به النساء ووقعن في حبّه وغرامه، والمرأة كلّما كانت العنصر الضعيف والمتلقيّ كلمّا إستلطفها الرجل وأكثر في عشقها وتدليلها كما كان متعارفاً عليه في المجتمعات الوسطيّة وخصوصاً المجتمعات الشرقيّة.
من المؤكد أنّ الرجل هو جميل وجذّاب بقوّته ولكن أيضاً بقدرته على احتواء المرأة شريكة حياته بين ذراعيه وأيضا في قلبه وعقله. قوّة الرجل قبل كلّ شيء في مدى شهامته ومدى إستيعاب "المرأة المرأة" وليس فقط المرأة الأم أوالزوجة وغير ذلك في قاموسه الذكوريّ.
أمّا "المرأة المرأة" والتي تحافظ على أنوثتها وكرامة أنوثتها وعلى مدى رهافة أحاسيسها الأنثويّة ومدى قوّة فكرها وحبّها وتشعّب أحلامها فهي على الأكيد ستضحى الأجمل في عيون رجلها.
حلمت جدّتي كسائر نساء عصرها أن تفاجئ شريك حياتها بوردةٍ حمراء أو حتى "بتفاحةٍ حمراء" دون أن تلوّث يديها بقذارة الأفاعي وقباحة الأفكار الغاويّة السوداء، ولكنّها قد فارقت الحياة قبل أن تتذوق جمال أحلامها.
فصحيح أنّ المرأة قادرة على الغواية ولكن تصبح لغوايتها معنىً إذا غلّفتها بكثرة حبّها وقوّة عشقها. وحبّ الرجل حين يكون صادقاً يلّفه أكثر بجاذبيّة فريدة ورقيقة.
ربّما جمال المرأة في وجهها المشرّق وجسدها الرشيق ولكن تصبح إمرأة أكثر جمالاً وجاذبيّة بشخصيتها القويّة الحكيمة والمستقلة والقادرة على تحقيق أحلامها وعيش أنوثتها.
وهكذا يبقى الرجل هو الأقوى وتبقى المرأة هي الأرقى والأرقّ ولكن ما إن يجمعهم الحبّ والعشق يصبح الرجل رقيق وأجمل والمرأة أقوى والأجمل دائماً.
فمتى يكون الحبّ ثالثهما يتجانس عالم الأنوثة بعالم الرجولة وعالم الرجولة بعالم الأنوثة، ويصبح العالمين أكثر تسامحاً وقوّةً وجاذبيّة وجمالاً.