تم النشر فى : الأحد، 6 مارس 2022
الناشر : مؤسسة الوطن العربى الإعلامية - لندن ، المملكة المتحدة . WA MEDIA FOUNDATION - LONDON, UK
الأستاذ رشدي الماضي ، يكتب : وفاءُ.. بقاءٌ للمَطر!، مقدمة ديوان " أنثى المطر الأول " للشاعرة الفلسطينية وفاء عيَّاشى
الوطن العربى اليومية - لندن، حيفا ..
فككتُ أَزرارَ غيمةٍ أَوحتْ إِليهَا أُمُّ الفصولِ أَن تنداحَ علَى صَدري سماءً ومطرًا!
وانهمرتُ سَفرًا فِي مشروعِكِ الشِّعريِّ، بعدَ أَنْ أَنزلتُ عنْ طَريقي كلَّ الأَسئلةِ الخاسرةِ، كيْ أُأَسِّسَ علاقةً جماليَّةً حميمةً ناعمةً بَيني وأَبجديَّتكِ؛ لغةً، وبناءً، وخيالًا، وواقعًا..
راودتُ اشتباكاتِ كلماتِكِ، وتوهُّجَ تعبيراتِها، وسيولَتها الحريريَّةَ المشرَّبةَ بداءِ الجمالِ والأَملِ، فإذا هيَ بوحٌ مدهشٌ، وتدفُّقٌ حسِّيٌّ غنيٌّ باللَّوحاتِ التَّصويريَّةِ الملوَّنةِ، والطَّاقةِ الدَّاخليَّةِ الفاعلةِ فِي تطويرِ القصيدةِ، الَّتي تمثِّلُ الوجدانَ الفلسطينيَّ، وتبحثُ عنِ الوجهِ الآخر للحياةِ..
جئتُ إِلى مجموعتِكِ الشِّعريَّةِ لأَنِّي اخترتُ أَنْ آتي إِلى زمنِ إِبداعِكِ؛ أَسبحُ هائمًا فِي كُلِّيَّتِها، فهوَ الهويَّةُ داخلَ فضاءِ اللُّغةِ. أَليستْ هيَ مقامُنا أَنَّى حلَلْنا سفرًا وترحالًا؟! وكيفَ لَا، وهيَ الأَرضُ، والمكانُ الَّذي يشكِّلُ مصدرَها الأَساسَ، حتَّى لَا يبقَى الوطنُ فردوسًا مفقودًا..
أَنتِ انكشفتِ لكلِّ عذاباتِ شعبِكِ، فأَصبحَ إِبداعُكِ يختزنُ مشاعرَهُ، وآمالَهُ، وطموحاتِهِ، وانتصاراتِهِ..
تكتبينَ وأَنتِ علَى علاقةٍ معَ الحاضرِ اليوميِّ؛ حاضرٍ تُسائلينَهُ، وتُسائلينَ الماضِيَ معهُ، لتَستشرفي المستقبلَ، كلُّ ذلكَ منْ خلالِ تعدُّدِ الأَصواتِ، والصِّيغِ، والاتِّصالٍ الحميمٍ بجسدِ الحقيقةِ، ورؤيةٍ شموليَّةٍ كلِّيَّةٍ تقتنصُ الفرحَ، وتتخطَّى الانهزامَ..
تعملينَ على اكتشافِ الماضِي المنسيِّ بوساطةِ إِنتاجِ ذاكرةِ الزَّمانِ والمكانِ، مَدخلًا لإِنتاجِ ذاكرةِ شعبِكِ، لتزوِّدينَهُ بمناعةٍ تَقِيهِ منْ هذَا الزَّمنِ العربيِّ الَّذي أَصبحَ مأْساةً كُبرى تشبِهُ التَّراجيديَّاتِ الإِغريقيَّةِ، فجعلتِ كلماتِكِ تسكنُ عذاباتِ الإِنسانِ مطرًا باحثًا عنْ حلمِهِ. لكنَّها لَا تساومُ، ولَا تهادنُ، ولَا تقبَلُ الحلولَ الوسطَى، لتكونَ أَرقَّ يدٍ تعيدُ الطَّريقَ للحريرِ والحرِّيَّةِ، وأَقوى مطرقةٍ لهدمِ الأَصنامِ الَّتي تعيقُ حراكَ مشروعِنا الوطنيِّ النَّهضويِّ، وتعلنُ- ولوْ بعدَ حينٍ- عنْ ميلادِ الإِنسانِ الجديدِ الَّذي يمثِّلُ قيمَ التَّحدِّي والشُّموخِ، قريبًا منَ الشَّمسِ..
لغتُكِ المتمرِّدةُ تعبيرٌ عنْ قلقٍ، وعنْ رؤيةٍ استشرافيَّةٍ للمستقبلِ، تَبدو فِيها الأَشياءُ غيرَ مستقرَّةٍ علَى حالٍ؛ تأْتي أَحيانًا مزوَّدةً بأَلغامٍ مجازيَّةٍ، ومحكومةً بسلطةِ الاستعارةِ، وحينَ تتركينَها تنفجرُ كذلكَ لتجيءَ نصًّا يفضحُ مَا يعيشُهُ هذَا الواقعُ العربيُّ نفسُهُ منْ تشظٍّ، وتفتيتٍ، ورماديَّةٍ..
أَنتِ تكتبينَ فِي المساحةِ الفلسطينيَّةِ، وفِي زمنِها التَّاريخيِّ، واقفةً علَى أَرضٍ صلبةٍ منَ الإِبداعِ.
نصوصُكِ تعكسُ جمالًا، تستريحُ لهَا النَّفسُ، لأَنَّ لهَا عالمًا عميقًا، تكتُبينَها منْ خلالِ تجربةٍ ثريَّةٍ، وخصبةٍ، وشموليَّةٍ، ومَلَكةٍ تصويريَّةٍ، ورُؤيا رائيةٍ مرآويَّةٍ، تُفضِي إِلى التَّشبُّثِ بالموقفِ حتَّى الاحتراقِ. لذلكَ؛ أَنا لَا أُماري حينَ أُسجِّلُ بأَنَّكِ نجحتِ أَنْ تَصلِي بِها إِلى روعةِ الإِبداعِ منجَزًا أَدبيًّا وضعْتِهِ خارجَ رهانِ الوقتِ..
نحنُ شركاؤكِ لأَنَّنا أَحبَبْنا شِعرَكِ أُسلوبًا ومضمونًا، وامتلكناهُ..
ليظلَّ إِبداعُكِ يسكنُ ذاكرتِنا، ويقولُ وجودَنا حين تخلقينَ عالمًا جماليًّا مبتكَرًا، موازيًا لواقعِنا القاسِي والحزينِ..
سنواصلُ الارتحالَ معكِ لنقبضَ وإِيَّاكِ علَى أَبديَّةِ فرحٍ يجترحُ قيامتَهُ كحصانٍ عادَ إِليهِ الصَّهيلُ وأَوَّلُ المطرِ!
---------------------
(حيفا، 18/12/2016م)
.png "English"){kind=small}
.png&contenttype=png)
