تم النشر فى : الجمعة، 9 أبريل 2021
الناشر : مؤسسة الوطن العربى الإعلامية - لندن ، المملكة المتحدة . WA MEDIA FOUNDATION - LONDON, UK
قراءة فى كتاب " هبات الفقدان " لعلاء حمد
الوطن العربى اليومية - لندن..
كثيراً ماتساءلت وأنا اقرأ قصائد الشاعر سلمان داود محمد عما استطاع هذا الشاعر أن يخلقه من قيم جمالية مأخوذة من مواد مألوفة هي في الأصل مفردات نتداولها يومياً لكنها تخرج في قصائده وكأنها قدت من يد صانع ماهر استطاع أن يبتكرها ضمن علاقة عفوية مع اللغة، ليخلق لغته الخاصة القادرة على صناعة الحياة بطرق مختلفة، وبعد حين لا أعثر على أجوبة شافية. أجد أنني أستطيع أن أتيقن أو ربما يبدو لي أن القائمين على تناول الشعر نقدياً يؤمنون بأنه نسج أفكار وليس تجسيداً مقنناً لجماليات الأشياء، أما حين قرأت الكتاب الصادر عن دار النخبة للثقافة والطباعة والنشر في مصر وبغلافه الدال الذي جاء بلوحة من أعمال الفنانة التشكيلية ريم محمد آل تويم، والرؤى المعرفية للشاعر والناقد علاء حمد (هبات الفقدان) حركة الخيال والبنى القصائدية في تجربة الشاعر العراقي سلمان داود محمد، فقد وجدت انه جاء بهذه العنونة المنتقاة ليكون جامعاً ودالاً ومفصحاً وهو يتناول قصائد الشاعر دون أن يلفت النظر الى خاصية معينة بل أنه وظّف العنوان ليكون شاملاً لفضاء مفتوح على الرؤى والتحليلات والإستنتاجات، أما كون العنوان دالاً فقد يحمل خصوصية اختيار علاء حمد لحركة الخيال والبنى القصائدية جاعلاً الإشتغال النقدي مكاناً ومركزاً وبهذا يكون الأقدر على الفعل والإلمام والإبداع، فضلاً عن رؤية ما لا يراه الغارقون في التقليد والسائرون على الخرائط المرسومة.
ولعل علاء حمد كان في ذهنه ما قاله التشكيليان (بيكاسو وبراك) حين ابتكرا الأسلوب التكعيبي في عزلة تامة عما حولهما، وبررا اكتشافهما بالقول أن هامشيتهما أتاحت لهما الخلاص من ضغوط المركز والآراء السائدة، فكانا أكثر حرية وأقدر على الإبتكار.
ولنا أن نبحر مع علاء حمد ضمن تجواله الشاق والشيّق بين فصول هذا الكتاب المتكون من (568) صفحة، فنبدأ بالمدخل الذي جاء بعد المقدمة تحت عنوان (اجتياح الحواس عبر مراوغة اللغة) وهذا المدخل اهتم بإثبات فكرة ملاحقة الحروف للشاعر التي لم تتولد لديه بالفطرة ولم تكن مرمية عبر الطرقات وإنما نبعت من روحية جياشة عمدت الى الإبحار في الشعرية العربية ومكوناتها وذلك لإثبات تمكن الشاعر سلمان داود محمد من تسخير المفردة للحدث والبيئة التي ينتمي إليهما، بعد ذلك قسم علاء حمد كتابه الى خمسة أقسام تضمنت فصولاً ضخمة ومتشعبة في عناوينها، جاء القسم الأول بعنوان (المنظور الشعري) ليحمل بين دفتيه سبعة فصول، تضمن الفصل الأول المنظور الشعري الداخلي والمنظور الشعري الخارجي والمنظور الذاتي وأراد الناقد علاء حمد بذلك اثبات أن الأول أي الداخلي يراد به الحاضر ما بيننا من خلال خيال الشاعر وبعده الرؤيوي، بينما يرتكز المنظور الخارجي على ما يبحثه الشاعر من رؤى جديدة خارج الذهنية بما خمرته من رؤى وخيال وكذلك ما استوعبته قديماً وحاضراً من انجازات ورؤية بصرية تم استقطابها بما يصاحب حركة الحداثة في الشعرية التي حملها الشاعر على كتفيه ووزع مهامها الرؤيوية ضمن إطار الأبعاد الفنية للشعرية ومن النصوص التي استعان بها الناقد لإثبات رؤيته تلك كالآتي:
تذكري معي واحصي
جثث الدموع الطافية على فرات الأحداق
كم طهونا على الحرائق بن التأبين
ولم نكف عن البنفسج …
أما الفصل الثاني فقد كانت ظاهرة الكلمة ومفعولها في المنظور الشعري تستقطب اهتمام الناقد ليؤكد دور الشاعر في جعل الكلمة أشبه بلعبة في لسانه، كي يظهر الأمتع منها ويحولها الى مفردة شعرية تناسب وتليق بالحدث الشعري الذي يتبناه في لحظة كتابة القصيدة وفي أحيان كثيرة تسمح لنا الكلمة بدخول حالة التأويل في استخدامها المعتمد ضمن القصدية الشعرية، فالشاعر يستهدف الكلمات المؤثرة والتي تشاكس اللغة في جريانها وهذا يعتمد على ذاكرة الشاعر في كيفية تأويل الكلمات وتفجير معنى المعنى للوصول الى حالة أريحية عند القراءة.
وتناول الفصل الثالث موضوع المقاربات والمباعدات معتمداً على الوحدات الزمنية ليبين أن المباعدات متواجدة وهي حاضرة في التوقيت الآني وقد تكون ماضية إلا أن الشاعر استطاع أن ينظرها في رحلته ولكن المقاربات هي حاضرة وقريبة فقط من الحدث الشعري ومن ذهنية المؤلف وهي ليست ماضية كما هو الحال مع المباعدات وأن السبيل للوصول نحو الفهم الأعمق لذلك لا بدّ من التعرض للغة التي هي خير مفتاح للكلمات وخير مفتاح لحضور المقاربات والمباعدات في القصيدة الحديثة فانفتاح اللغة حول الزمن تعني أن هناك صحوة زمنية من قبل الشاعر مربوطة جل ارتباط بصحوته الذهنية والعمل على التقريب الزمني بدلاً من الأبتعاد عنه وهذا ما نجده عند الشاعر سلمان داود محمد.
أما في الفصل الرابع فقد خاض الناقد في موضوع الفلاش باك متطرقاً الى الفلاش باك المتحرك ليتحدث فيه عن الذاكرة المؤقتة والذاكرة طويلة المدى ومتستعرضاً في الوقت نفسه للتقنية الجديدة التي تتمظهر في وحدة القصيدة فضلاً عن دور الفلاش باك وحركة الخيال لدى الشاعر ما بين التذكر والإستذكار وما بين المخيلة الحبلى بالمفردات والواقع المعيش وكل ذلك يستلزم الأدوات الناضجة للشاعر كي يترك خلفه الدلالات بما يخلق مركزية الحدث القصائدي
بينما جاء الفصل الخامس ليبث موضوع الإلتفاتات البصرية والمونتاج في القصيدة المعاصرة فأوضح ان التشكيل البصري للقصيدة يختلف عن التشكيلات الأخرى إذ هو طارىء وممغنط ومبتكر وأحياناً يحوي الحدس فهو الذي يشكل لنا القصيدة أو الصورة الجسدية للقصائدية والموضوعاتية التي يتبناها الشاعر بكون القصيدة تحمل ثقافة كونية وليست ثقافة محلية ومن ثم أثبت لنا الناقد أن الشاعر سلمان داود محمد استطاع أن يحطم الأشكال الهندسية التقليدية للقصيدة العربية بسعيه الى المركزية الشكلية المكانية بعيداً عن الأشكال الموروثة التي عانى منها المتلقي وملّها وفي الفصل السادس انتقل الناقد الى التكوين المفرداتي للقصيدة العجائبية القصيرة وهو بهذا العنوان المثير للإستغراب يشد القارىء الى الخيال والتخيل لمعرفة الشاعر الرؤيوي ذي البصيرة الذهنية اللافتة التي تتطلب الإشتغال على جميع الحواس بطريقة مكثفة تحمل الرؤى العجائبية الغريبة التي يصفها الناقد بالمفردات السحرية في نوعية تركيب الجمل الفنية والأداء المعمق للشاعر ومن ذلك القصيدة التالية:
وليمة من دخان
وكؤوس مترعة بالويل
هو ذا إرثك لي
أيتها المسكوبة
من وجهي
كـ ..وطن…
أما الفصل السابع فقد تضمن موضوع الأريحية الشعرية البصرية وقد تطرق للمفردة الذكية.. (الظل) هذه المفردة التي تناولها الشاعر بوصفها كينونة عمل على مزجها مع مفردات أخرى محافظاً على جعلها مستقلة بائنة ولها في الوقت نفسه دورها الشاعري بين السطور ودلالتها المركزية المهمة في القصيدة.
قلنا أن الناقد قسّم عمله الى خمسة أقسام وجاء دور القسم الثاني الآن ليكون عنوانه الشعرية وحركة الخيال وقد وزعه أيضاً على ستة فصول كان الأول منها (الشعرية وفاعلية حركة الخيال) وهنا تطرق الناقد الى المدارس الأدبية والنقدية كالرمزية والسريالية لإثبات رؤاه في أن اللغة الشعرية ليست مفهوماً عادياً أو قالباً ثابتاً تؤسس لها قواعد ومعطيات جاهزة ولإثبات أنها لا تنتمي أيضاً لقبيلة معينة في توزيع مهامها وانتقاء ألفاظها وتكريس حرية القصيدة وفعل التنغيم والجرس الشعري فقد عاد بنا لشعر العصرين الجاهلي والإسلامي رابطاً مفاهيمه تلك بطريقة اعتماد الشاعر سلمان داود محمد على ديالكتيك اللغة في تعيين المفردات وتواصلها رمزياً.
تحدث الناقد في فصله الثاني عن الشعرية مبيناً أن الشاعر الذي يتحدث عنه نجح في دفع المتلقي الى إتمام المعاني التي تنقص القصيدة فالنص لديه يعتمد الغائب والحاضر غالباً بحيث يكون الحاضر هو الأنا والغائب هو أو هي أما لغته فتقتنص القارىء عبر لغة داخلية أي لغة داخل لغة لتوصلنا الى الدهشة الشعرية التي تمنع المتلقي من التخدير والذهاب الى النحول الذهني بل الى اليقظة والإندفاع وانفتاح الذاكرة .
افتتح الناقد الفصل الثالث بجدولة الأبعاد التعبيرية في الشعرية متخذاً تقسيمات عدة اعتمدها للدخول الى التعبيرية منها (البعد الإمتدادي الجمالي والبعد الإمتدادي الرمزي والبعد السردي والبعد التفاعلي بين الآخر والذات والبعد التصويري وكيان النص) شارحاً هذه الأبعاد وفقاً لدراسة تحليلية لقصائد الشاعر تضفي الى جمالية الصورة الإمتدادية وأبعاد الدلالة الرمزية والدلالة الذهنية في رسم لوحة واضحة تلم بالمشهد الشعري وتعطي رؤية فضائية للقصيدة تحمل جمالية اللغة الإمتدادية وجمالية التصوير البصري التباعدي والبعد التفاعلي بين الذات والآخر موضحاً (الذات الشاعرة والأنا والآخر الإجتماعي) والناقد في كل ذلك يوظف نفسه للإشتغال على مقاطع نصية للشاعر تخضع ضمن شروحاتها لآلية تكوين هذه الأبعاد والمضامين وكأنها رسمت مسبقاً لذلك.
أما في الفصل الرابع فقد تناول الناقد التقليلية القصدية لتبيان أن التقليل والتكثير في القصيدة لدى الشاعر اتخذ مسار لغة الترميز التي لها علاقة بالسيميائية واتخاذ الشيفرات التي يبثها في ديمومة القصيدة من خلال تعالي اللغة التي تتسبب في تماسك الجسد الكلي عند التقليلية وذلك لصغره أولاً ولسهولة السيطرة على ادارته في القصيدة الحديثة، بعد ذلك أوضح الناقد حركة الزمكانية في التقليلية القصدية وتطرق الى الإشتغالات اللغوية التقشفية مستشهداً بنصوص شعرية للشاعر سلمان داود محمد.
في الفصل الخامس تحدث الناقد عن النص وخصخصة العنوان في الأعمال الشعرية الأولى والثانية للشاعر مبيناً أن معظم العناوين لدى الشاعر هي مفتوحة وليست مغلوقة وهي تتحمل التأويل والرمزية في مشاكسة وتلاعب باللغة يزيدها دفئاً ويعطيها أولوية لقيادة القصيدة فضلاً عن أن العناوين المركبة كجملة اسمية أو فعلية أكثر من العنونة الإنفرادية وقد يتقشف العنوان في اللغة ولكنه يعلن عن حضوره وحركته كعنصر مستقل يشير الى جسد القصيدة بل أن الإشتغالات تكون محضونة مع العنونة وقد جاب الناقد وخاض كثيراً في هذا الموضوع متخذاً من عنوانات القصائد لدى الشاعر دلائل وشروحات جاءت في مكانها الصحيح ذلك لتميز وفرادة هذا الموضوع اللافت للإنتباه عند كل من يقرأ شعره ويستكشف خصوصية العنوان لديه .
بينما جاء في الفصل السادس من هذا القسم الذي اتخذ من المطابقات والمحسوسات مادته ليوضح لنا أن بصيرة الشاعر في الطرح لا تظهر إلا من خلال نقيضها لذلك أن العلاقة التي يبنيها بين العالم من حوله وبين الذات ترتكز على الترميز والإيحاء وكذلك ظهور العلامات كلها لديه تعني اشتغالات سيميائية يجوب بها الحداثة من بابها الواسع.
أما القسم الثالث فكان عنوانه (التماسك اللغوي والبنى التعبيرية) وقد تضمن خمسة فصول جاء أولها بحضور اللذة الشعرية في النص ليبرهن على أن حضور هذه اللذة وايقونتها لاتظهر للآخر إلا عبر التقارب الفني للقصيدة ومن دون تلك المقاربات تبتعد اللذة من مخيلة المتلقي وهذا التقارب ألبسه وعي الشاعر درجات اللذة القصوى التي تعطي تغذيتها الديكارتية. وجاء الفصل الثاني لتوظيف البنى التعبيرية ومطابقتها الذاتية ومطابقتها مع الآخر ومع الأشياء للوصول الى أن أصغر صوت في القصيدة هو أول كلمة يتداولها الشاعر في رسم خصوصية القصيدة الحديثة وتبقى الأنا غير المنفردة هي التي تقود الألفاظ وتشعب الكلمات وتقودنا الى خيال متحرك غير جامد .
وفي الفصل الثالث جاءت الصورة الحسية لتفهمنا ما مفاده أن تحول المشاهد المحسوسة الى حركات نفسية تدخل ضمن مختبر الخيال لدى الشاعر فكل كلمة أو مشهد من المشاهد يمر في هذا المختبر لتحويل الأشياء الى لغة مهددة تنافس الذات الواعية وهي التي لها الفضل في الحركة والإشتغالات الدائمة. وفي الفصلين الرابع والخامس كان الحديث عن اللغة الحسية وعن التجانس اللغوي في دراسة مفصلة لقصائد الشاعر.
بعد تلك الرحلة الشيقة والموضوعات المكثفة نصل الى القسم الرابع من الكتاب والذي تخصص للأبعاد الجمالية ليكون فصله الأول عن المؤسسة الجمالية في اللغة والترجمة الشعرية ومن اللافت للنظر عند قراءة هذا الكتاب نرى أن الناقد يتطرق الى اصول ونشأة عنوانه والتفصيل في مكوناته قبل الغوص في اثباتاته عند الشاعر المخصوص بالدراسة والمقصود هنا سلمان داود محمد فالناقد في هذا الفصل تحدث عن فلسفة الجمال في الشعرية بكونها حالة مفتوحة لاتستطيع أن تضع لها معاييرمحددة وهي تدخل ضمن مجالات مختلفة منها الكلمة الطيبة والتحايا ولغة الحوار الجميلة وخير ما يدلنا عليها تلك النقوشات التي وردتنا في الكهوف التي ما هي إلا اثبات لوجود حركة فنية فعالة هدفها ايجاد البديل لحياتهم وممارساتهم اليومية في ذلك الزمان، إلا أن الناقد في فصله الثاني وتحت عنوان الأسلوبية والتلقي الجمالي في القصيدة الحديثة يبين أن هناك استثمارات لغوية يعتمدها الشاعر سلمان داود محمد من خلال الرؤية الشعرية وهو يقاوم المزايا التي يطرحها مع انفلات اللغة لديه ومغايرتها لفتح نوافذ جديدة للعبور الى ما خلف الواقع مع اهتمام الناقد في ابراز كل التفاصيل في قصائد الشاعر بما فيها البياضات التي تتخلل القصائد والتي تعتمد القصدية وترسم علامات تقودنا بشكل شاقولي نحو مراده الشعري .
في حين كان عنوان الفصل الثالث الجمالية وفلسفة الدهشة ليوضح الناقد بطرحه السؤال الآتي: ماذا تعني الدهشة؟ مفهوم الدهشة العادية والدهشة الفلسفية رابطاً اياها باستحضار الأعمال الشعرية إجمالاً للشاعر لما تحويه قصائده من عناصر عديدة تقودنا نحو هذا المفهوم الذي يقسم الناقد أبعاده ضمن القصيدة الحديثة الى (المقاربة التداولية للدهشة وفلسفة لغة الدهشة والإستذكار الرمزي في عنصر الدهشة) ومن القصائد التي تصب في هذا المضمار للشاعرنقرأ الآتي :
لما جنح العبد
إلى نفسه
امتثل السلطان
لموت يافع…
أما الفصل الرابع فقد كان الحديث عن الذات الشاعرة والتي تتكون من ثلاثة عناصر هي الذات الكونية والذات اللغوية والصدمة الشعرية وهذه العناصر أثبتتها العلامات التي وجدت في قصائد الشاعر والتي تشتغل مع الفكر وتفصيل الرموز أو الصورالمعتمدة في المفردات الشعرية مع توظيف الكلمات والإيماءات والتمثيلات بما يلائم الشعرية الحديثة .
في الفصل الخامس تطرق الناقد الى الصدمة الشعرية التي استطاع بها الشاعر زرع الآثار في القصيدة المعاصرة ذلك ان المجازات المعتمدة في التعبير هي التي تؤدي الى اختراق اللغة بل وتعمل بعض التشويش والإنقلابات لدى المتلقي، والشاعر استطاع بواسطة هذه المحسوسات أن يقتحم اللغة ويحدث الأثر الفعّال للقارىء وهي هنا حالة نادرة في ايجاد المؤثرات المتباينة والسريعة، وفي الفصل السادس تطرق الناقد الى حركة الإدراك في إطار التأثير التي خرج منها الناقد بمحصلة مفادها أن الشاعر سلمان داود محمد ومحطاته التي اعتمدها والتي إن كانت في الرمزية أو في توليد الجمالية ما هي إلا رفض للواقع وعلاقاته التي تقودنا نحو الإنحطاط والتآكل فقصيدته قصيدة تغيير للبنية التحتية والداخلية للإنسان وهي تدفع الآخر على انفتاحات عالمية شمولية.
أما القسم الخامس والأخير في هذه الدراسة فقد ذهب الى ما بعد القصائدية متخذاً عنوانه في فصله الأول ليكون (إبستمولوجيا النص بين الشعرية والقصدية) ليثبت أن الشاعر لم يترك أي شيء فيما يخص تيسير العملية الشعرية والقصائدية ضمن المنهج الإستقرائي الذي يعتمد على الملاحظة والكشف عن القوانين التي تلاحق المعرفة مستعينا ببعض الأفكارالتي استخدمها الشاعر كي يمنح الحرية الكافية لقصائده وهي تجوب بلدان العالم وكان منها (ايضاحات لغير الناطقين بالعربية ودليل غير سياحي لقارىء عابر) الواردة في نهاية كل مجموعة من أعمال الشاعر.
أما الفصل الثاني فقد تضمن موضوعاً عنوانه ( إضافات شعرية ) وكان يمثل إلتفاتة جميلة ومدروسة من قبل الناقد ليقدم ست قصائد من كل مجلد للشاعر معرباً عن عدم امكانيته من حملها كلها للقارىء ضمن كتابه ومشروعه القيم هذا، وموضحاً أن القصائدية هي لبنة الحداثة التي يقدمها في كتابه وأن القصائد المرسومة التي بين رؤية القارىء والمتلقي هي خارج سيطرته وبالإمكان الكتابة حولها لأنها أصبحت ملكاً للجميع.