تم النشر فى : الخميس، 16 مايو 2024
الناشر : مؤسسة الوطن العربى الإعلامية - لندن ، المملكة المتحدة . WA MEDIA FOUNDATION - LONDON, UK
الجريمة السياسية في القانون المصري - بقلم: د. عادل عامر
الجريمة السياسية هي الجريمة الماسة بنظام الحكم ، أو بالحكام أنفسهم بوصفهم حكاما ، أو بأي شخص آخر لقول أو فعل كان محله ذلك وقد عرف الشيخ محمد أبو زهرة الجريمة السياسية بأنها : (( الجريمة التي فيها اعتداء على نظام الحكم ، أو على أشخاص الحكام بوصف كونهم حكاما ، أو على قادة الفكر السياسي لآرائهم السياسية ))
لذلك نرى أن موضوع الجريمة السياسية هو الذي يحدد كونها سياسية وإذا كان القانون رقم 344 لسنة 1952 بشأن جريمة الغدر قد انتهى بانتهاء الفترة الزمنية التي صدر ليطبق عليها، وإذا كان التشريع المصري قد خلا من أي نص يعاقب على جرائم الفساد السياسي، وإذا كانت عناصر الثورة المضادة لن تهدأ، ولن تكف عن محاولاتها المستميتة لإجهاض الثورة الأصلية والعودة بها إلى الوراء، فإن المشرع المصري في حاجة إلى إجراءات فورية وتشريعات ثورية استثنائية مؤقتة تقوم على فلسفة الإقصاء لفترة زمنية محددة للذين أفسدوا الحياة السياسية قبل ثورة 25 يناير 2011، وذلك على غرار القانون رقم 344 لسنة 1952 بشأن جريمة الغدر الذي صدر في أعقاب ثورة 23 يوليو 1952».
ولم يتمكن علماء القانون من الوصول إلى تعريف جامع للجريمة السياسية ، ولم يتفقوا على تعريف موحد لها حيث أن الجرائم تصنف إما بالنسبة إلى موضوعها أو إلى طبيعتها وتنقسم إلى جرائم عادية وجرائم سياسية ويقصد بالجرائم العادية التي ليس لها صبغة سياسية ، أو كل ما خلا الجريمة السياسية
ولقد عزفت معظم قوانين العالم عن تعريف الجريمة السياسية ، حتى لا يكون ذلك تقييدا لها في اعتبارها جرائم سياسية أو غير سياسية ، لذلك بقي تحديد ماهية الجرائم السياسية غير واضح تماما ، وكذلك تحديد طبيعة عقوباتها وأنواع هذه العقوبات
ولقد اختلطت بعض الأفعال المخلة بأمن الدولة بالجرائم السياسية مثل جرائم التجسس ، والخيانة ، والعمل مع العدو 00الخ ولم يكن سابقا أي تمييز بين الجرائم العادية والسياسية ولكن الفقيه " صولون " اليوناني الأصل عندما رأى بأن هناك جرائم ليس هدفها المصلحة الشخصية ولا الناحية الجرمية بل قد يكون هدفها إصلاح شأن البلاد فقام بتأسيس محكمة مستقلة للجرائم السياسية
ولكن الرومان عاملوا المجرم السياسي بقسوة وغلظة واعتبروه عدو الأمة والجريمة موجهة لشخص الإمبراطور وحقه فيجب فرض العقاب أولا ، ثم التحقيق ثانيا وهذا ما يحصل اليوم تفرض العقوبات على الشعوب بحجج سياسية ، ثم يجري التحقيق ليتلاءم مع هذه العقوبات وليكون متضمنا جريمة سياسية مثال ذلك ( عدم تطبيق الديمقراطية ، مخالفة قواعد حقوق الإنسان ، الاتهام بالإرهاب ، مثلما يجري في العراق ، وأفغانستان وكثير من الدول ) ، وكذلك على مستوى الأنظمة الحاكمة يجري توقيف الأشخاص ، وأصحاب الآراء السياسية المخالفة للنظم وسير الحكم ثم يأتي الاتهام ليكون متضمنا جريمة سياسية، وإن التفسخ السياسي والتصلب القانوني،والخشبية في التعامل تقود دائما إلى جرائم كبيرة على مستوى العالم والأوطان وتهدر جميع القيم الأخلاقية والقانونية للمحافظة على الوضع الراهن من أجل أن يتلاءم مع هذه العقوبات وليكون متضمنا جريمة سياسية تحاسب عليها الشعوب والدول
تشترك الجريمة الإرهابية مع عدد من المفاهيم القانونية والسياسية ولا سيما الجريمة السياسية والكفاح المسلح وأعمال المقاومة وحرب العصابات الخ ، في عدد من العناصر، مما أوقع الكثير من الخلط في هذه المفاهيم لصعوبة التمييز فيما بينها ، مما فتح الباب على مصراعيه لتفسيرات وأوصاف مختلفة ومتناقضة لفعل واحد ، فكل يفسر الفعل وفقا لمصلحته السياسية ، فسادت على نطاق واسع سياسة ازدواجية المعايير أو ما يطلق عليها سياسة الكيل بمكيالين وخاصة على المستوى الدولي ، فعلى سبيل المثال تم توصيف أعمال إرهابية قامت بها إسرائيل على إنها أعمال دفاع عن النفس .
لاشك إن الانتشار الواسع للجريمة الإرهابية في معظم أرجاء العالم وخاصة بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة الأمريكية وما ترتب عليها من ردود فعل وإجراءات قامت بها هذه الدولة كان من بينها احتلال أفغانستان والعراق ، أدى إلى أن تحظى الجريمة الإرهابية بالمزيد من الاهتمام من قبل الهيئات التشريعية والهيئات القضائية وفقهاء القانون الجنائي على الصعيدين الداخلي والدولي ، فصدرت تشريعات خاصة لموجهة الإرهاب في العديد من دول العالم بسبب عدم كفاية النصوص العقابية الواردة في القوانين الجنائية العامة في هذه البلدان لمواجهة هذا الخطر المتعاظم . في عام 2011 اصدر المجلس العسكري مرسومًا بقانون رقم 131 لسنة 2011 والمعروف بقانون إفساد الحياة السياسية، وتنص المادتان “1 و2” منه على أن يعاقب كل من قام بعمل ما من شأنه إفساد الحكم أو الحياة السياسية بطريق الإضرار بمصلحة البلاد أو التهاون بها بالعزل من الوظائف العامة القيادية، وسقوط العضوية في مجلسي الشعب و الشورى أو المجالس الشعبية المحلية، والحرمان من حق الانتخاب أو الترشيح لأي مجلس من المجالس المنصوص عليها فى هذه المادة لمدة أقصاها خمس سنوات من تاريخ الحكم، والحرمان من تولى الوظائف العامة لمدة أقصاها خمس سنوات من تاريخ الحكم، والحرمان من الانتماء إلى أي حزب سياسي لمدة أقصاها خمس سنوات من تاريخ الحكم، والحرمان من عضوية مجالس إدارة الهيئات أو الشركات أو المؤسسات التي تخضع لإشراف السلطات العامة لمدة أقصاها خمس سنوات من تاريخ الحكم.
كما ينص القانون على أن يحكم بالجزاءات ذاتها أو بأحدها على كل من اشترك بطريق التحريض أو الاتفاق أو المساعدة في ارتكاب أي من الجرائم المنصوص عليها.
ويجوز الحكم برد ما أفاده الجاني من فعله وشركائه، وتقدر المحكمة مقدار ما يرد، كما يجوز للمحكمة أن تحكم على الجاني وشركائه بتعويض ما حدث من ضرر لأي شخص من الأشخاص الاعتبارية العامة. إن قانون إفساد الحياة السياسية الذي صدر فى بداية حكم الإخوان ويحمل رقم 131 لسنة 2011 تعديلاً لقانون قديم منذ ثورة 52 كان يسمى الغدر واستبدل اسمه بقانون إفساد الحياة السياسية وتم تعديل بعض مواده ليعاقب على جريمة وأفعال كل من افسد الحياة السياسية أو افسد نظام الحكم بارتكاب أفعال من شأنها إثارة الفزع والإساءة للمجتمع، فنص القانون على توقيع العقوبة على هذه الأمثال والتي منها تزوير الانتخابات والتأثير على القضاء وغيرها من الأفعال التي تؤدى إلى إفساد الحياة السياسية أو إفساد نظام الحكم في البلاد، ونص القانون على معاقبة هؤلاء جميعًا دون تحديد.
وما يميز الجريمة السياسية عن الجرائم العادية هو أن الباعث على اقترافها سياسي, وأن الغرض الذي يبغي الجاني تحقيقه هو غرض سياسي يتمثل في تغيير الوضع السياسي في الدولة أو الحكومة كما أن الحق المعتدى عليه هو سياسي يتمثل بما للدولة وإفراد من حقوق سياسية عامة.
ولم يعرِف قانون العقوبات الجريمة السياسية ولم يفرد لها أحكاما خاصة كما فعل القانون العراقي واللبناني والسوري وغيره. وقد آن الأوان لتعديل قانون العقوبات في اقرب فرصة لتضمينه تعريفا للجريمة السياسية. كما آن الأوان للقضاء للتصدي لمفهوم الجريمة السياسية سواء في مرحلة التحقيق أو في مرحلة المحاكمة أو قضاء العقوبة.
--------------------
كاتب المقال : الدكتور عادل عامر - دكتور في الحقوق وخبير في القانون العام ومدير مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية ومستشار وعضو مجلس الإدارة بالمعهد العربي الأوربي للدراسات السياسية والإستراتيجية بفرنسا ومستشار الهيئة العليا للشؤون القانونية والاقتصادية بالاتحاد الدولي لشباب الأزهر والصوفية ومستشار تحكيم دولي وخبير في جرائم امن المعلومات ورئيس اللجنة التشريعية والقانونية بالمجلس القومي للعمال والفلاحين .