تم النشر فى : الخميس، 19 أغسطس 2021
الناشر : مؤسسة الوطن العربى الإعلامية - لندن ، المملكة المتحدة . WA MEDIA FOUNDATION - LONDON, UK

إنسحاب تكتيكي - بقلم الأستاذ: أحمد حمزه نمير


الوطن العربي اليومية - لندن..

                                                    قد يكون من الخيارات الصعبه في المواجهات المصيريه ، والتي قد تنتج عنها خسائر مؤكده الاحتمال قرار الإنسحاب من المواجهه ، وذلك في محاوله لتقليل الخسائر وإستعادة القوى ، أويكون إنسحابا تكتيكيا ! وقد يمثل هذا الإنسحاب من أول وهله معضله كبرى !، وما يثير الإختلاف مابين مؤيد للإنسحاب الذي يعتقد أنه قد يؤدي إلى الفوز في الأخير، ولكن الإنسحاب نفسه يعطي إنطباعا بالضعف والتقهقر ويواجهه الإتهام بالتخاذل والتراجع والفرار ، وقد يكون الإنسحاب أحيانا وقتي وليد الأحداث يتم إستخدامه للخداع والمناوره ثم الإجهاز على الخصم من جهه أخرى ! إستوقفتني كثيرا غزوة مؤته وفكرة النصر بالإنسحاب! حيث واجهه المسلمون الإمبراطوريه البزنطيه وحلفائها من الغساسنه، وذلك في جمادي الأولى في العام الثامن الهجري بمؤته بالكرك الأردن الآن وجيش المسلمين قوامه ثلاثة آلاف مقاتل أمام مائتي ألف من الروم والقبائل العربية الحليفة لهم لمدة ستة أيام كاملة، وكان قادة الروم هرقل ثم تذارق و شرحبيل بن عمرو الغساني ، بينما قاد المسلمين زيدبن ١حارثه ثم جعفر بن أبي طالب ثم عبد الله بن رواحه وأخيرا سيف الله المسلول خالد بن الوليد و انتهت المعركة في اليوم السابع بعد هزيمة قريش وحلفائها في غزوة الأحزاب، وبعد صلح الحديبية مع قريش، أرسل النبي محمد( صلى الله عليه وسلم) رسائل إلى الملوك والرؤساء في البلاد المجاورة يدعوهم فيها إلى الإسلام، وكان من ضمن الذين أرسل إليهم رسالة إلى ملك بُصرى بالشام الواقع تحت الحمايه الرومانية و حمل الرسالة الصحابي الحارث بن عمير الأسدي، فاعترضه شرحبيل بن عمرو الغساني وأوثقه وضرب عنقه. كان من المتعارف عليه بين الملوك وزعماء القبائل أن الرسل لا تقتل ، ولا يجوز لأحد أن يتعرض لهم، لأنهم يحملون مجرد رسائل من أقوامهم، وقد كان قتل الحارث بن عمرو الأسدي، انتهاكًا كبيرًا لهذا العرف، وكان هذا بمثابة إعلان الحرب على المسلمين! ، وعندما نقلت الأخبار إلى النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) جهز جيشا قوامه ثلاتة آلاف مقاتل و أمَّر النبي زيد بن حارثه مع جعفروعبدالله بن رواحه على هذا البعث . وأوصاهم أن يأتوا مقتل الحارث بن عمير، وقال لهم: (اغزوا بسم الله، في سبيل الله، مَنْ كفر بالله، لا تغدروا، ولا تغلوا، ولا تقتلوا وليداً ولا امرأة، ولا كبيراً فانياً، ولا منعزلاً بصومعة، ولا تقطعوا نخلاً ولا شجرة، ولا تهدموا بناء). لم يكن المسلمون أدخلوا في حسابهم لقاء مثل هذا الجيش العرمرم ـ الذي بوغتوا به في هذه الأرض البعيده ،، وظلوا يفكرون في أمرهم، وينظرون ويتشاورون، ثم قالوا: نكتب إلى رسول الله فنخبره بعدد عدونا -، فإما أن يمدنا بالرجال، وإما أن يأمرنا بأمره فنمضي!!، فقال عبد الله بن رواحه : (يا قوم والله إن التي تكرهون لَلَّتِي خرجتم تطلبون الشهادة، وما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة، ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا به الله ، فانطلقوا فإنما هي إحدى الحسنيين وبدأ القتال بحماس هائل وجعل زيد يقاتل بضراوة بالغة، فلم يزل يقاتل حتى شاط في رماح القوم، وخر صريعاً. وحينئذ أخذ الراية جعفر بن أبي طالب، وطفق يقاتل قتالاً منقطع النظير، حتى إذا أرهقه القتال اقتحم عن فرسه الشقراء فعقرها، ثم قاتل حتى قطعت يمينه، فأخذ الراية بشماله، ولم يزل بها حتى قطعت شماله، فاحتضنها بعضديه، فلم يزل رافعاً إياها حتى قتل. روى البخاري عن نافع، أن ابن عمر أخبره أنه وقف على جعفر يؤمئذ وهو قتيل، فعددت به خمسين بين طعنة وضربة٠ وفي رواية أخرى قال ابن عمر: كنت فيهم في تلك الغزوة، فالتمسنا جعفر بن أبي طالب فوجدناه في القتلى، ووجدنا ما في جسده بضعاً وتسعين من طعنة ورمية ولما قتل جعفر بعد أن قاتل بمثل هذه الضراوة والبسالة، أخذ الراية عبد الله بن رواحة، وتقدم بها فقاتل بها حتى قتل وقال الناس: يامعشر المسلمين اصطلحوا على رجل منكم، ، فاصطلح الناس على خالد بن الوليد الذي أخذ الراية، وقاتل قتالا مريرا فقد روى البخاري عن خالد بن الوليد قال: لقد انقطعت في يدي يوم مؤتة تسعة أسياف، فما بقي في يدي إلا صفيحة يمانية. البخاري (4266) وقد قال النبي يوم مؤتة ـ مخبراً بالوحي، قبل أن يأت إلى الناس الخبر من ساحة القتال: (أخذ الراية زيد فأصيب، ثم أخذ جعفر فأصيب، ثم أخذ ابن رواحة فأصيب ـ وعيناه تذرفان ـ حتى أخذ الراية سيف من سيوف الله، حتى فتح الله عليهم). البخاري (2/611) كان عجبا أن ينجح هذا الجيش الصغير في الصمود أمام ذلك الجيش الكبير من الروم، ففي ذلك الوقت أظهر خالد بن الوليد مهارته في تخليص المسلمين مما لقوه في تلك المعركة. واختلفت الروايات كثيراً فيما آل إليه أمر هذه المعركة أخيراً. ويظهر بعد النظر في جميع الروايات أن خالدا بن الوليد نجح في الصمود أمام جيش الرومان طول النهار، في أول يوم من القتال. وكان يفكر بمكيدة حربية تلقي الرعب في قلوب الرومان بحيث ينجح في الانحياز بالمسلمين من غير أن يقوم الرومان بحركات المطاردة. فقد كـان يعرف جيداً أن الإفلات منهم صعب جداً لو انكشف المسلمون، وقام الرومان بالمطاردة. فلما أصبح اليوم الثاني اعتمد خالد بن الوليد في خطته على الحرب النفسية حيث أمر عددا من الفرسان بإثارة الغبار خلف الجيش، وأن تعلو أصواتهم بالتكبير والتهليل وقام كذلك بتبديل الرايات وغير أوضاع الجيش، وعبأه من جديد، فجعل مقدمته ساقة، وميمنته ميسرة، وهكذا دواليك، فلما رآهم الروم أنكروا حالهم، وقالوا: جاءهم مدد، فرعبوا، وسار خالد ـ بعد أن تراءى الجيشان وهجم على الروم وقاتلهم ، ثم أمر خالد بانسحاب الجيش بطريقة منظمة ـ وأخذ يتأخر بالمسلمين قليلاً قليلاً، مع حفظ نظام جيشه، ولم يتبعهم الرومان ظناً منهم أن المسلمين يخدعونهم، ويحاولون القيام بمكيدة ترمي بهم في الصحراء ولم يتبعوا خالدا في انسحابه. فانحاز الرومان إلى بلادهم ، ولم يفكروا في القيام بمطاردة المسلمين ونجح المسلمون في الانحياز سالمين، حتى عادوا إلى المدينة. وكما أعتبر خبراء المعارك الحربيه هذا الإنسحاب إنتصارا – لعودة جيوش الروم إلى بلادهم والحفاظ على الجنود المسلمين، وقد أستشهد من المسلمين أثنا عشر مقاتلا بينما قتل من الروم ثلاثة آلاف وثلاثمائه وخمسين محارب - ولأنه كان في ظروف صعبه !، وفي جو من القيظ شديد الحراره ، بينما أعتبر بعض الناس رجوع الجيش فرارا وليس كرا!، ودللت هذه الغزوه على عمق الفهم لعظمة الإسلام وصدق النوايا وسمو معاني والجهاد والصبر والحرص على الشهاده في سبيل الله ولنصرة وعزة الإسلام وإدراك قيمة الإستعداد للملمات!، فالمجد وطموح الفوز لن يتحققا بالبركه فقط دون إستعداد منظم !، ولا للمتواكلين الذين ينتظرون الحلول من المصادفات وإنتظار ما يفرزه الواقع ، لقد قصدنا عرض الإخلاص الأسطوري لقادة الغزوه وإستشهادهم البطولي ثم يأتي الحل الملهم بالإنسحاب التكتيكي المنظم من القائد خالد بن الوليد ويصاحب هذا صدق التوكل على الله وكثيرا ما نواجه في حياتنا مواقف قد ينصح فيها بالإنسحاب المؤقت أو الإنسحاب نهائيا من حياة ومواجههات من ويشكلون عبئا ماليا كبيرا وضغطا معنويا وهما دون داع ! وليس لهم حقوقا علينا !، وهذا يتوقف على الشخصية نفسها فهناك شخصيات تفضل المواجهه وإتخاذ قرار فوري حاسم!، وهناك غيرها يؤثر السلامه والحفاظ على شعرة معاويه !، أو يؤجل القرار لحين تغير الأوضاع للأفضل، ويفضل البعض المواجهه إذا كان يملك الأدوات التي تمكنه من تحقيق ما يريد ، ومجابهة الموقف أوالقرارفي الوقت المناسب أيضا أو خيار التراجع المنظم الذي يدرأ عن أنفسنا الخسائر والخيبات المتوقعه التي قد تحدث من هذه المواجهه والعوده مره أخرى وإسترداد الحق المعنوي والمادي أيضا.

الناشـر :

الناشـر مؤسسة الوطن العربى الإعلامية - لندن ، المملكة المتحدة . WA MEDIA FOUNDATION - LONDON, UK على 11:35:00 ص. فى باب . يمكنك متابعة أخبارنا وموضوعاتنا والتعليق عليها من خلال الدخول إلى RSS 2.0. ، فأهلاً بك

للحصول على نسختك الورقية من هنا ، إضغط هنا لطباعة الصفحة

اترك الرد

تفضل بوضع تعليقك هنا وأهلا بك وتعليقك الملتزم المحترم

Translator of WA Daily Newspaper

للحصول على نسختك الورقية من هنا

الارشيف

الشاعر دكتور علاء الدين سعيد وقصيدته "المأساة عربية" من حفل ديوانه قافلة العودة بمعرض القاهرة للكتاب

ديوان " قافلة العودة " للشاعر د. علاء الدين سعيد ، بمعرض القاهرة الدولي للكتاب 2023م

الآن بالمكتبات الكُبرَى ومنافذ التوزيع ديوان "قافلة العودة" للشاعر د. علاء الدين سعيد

الحمـلة العالميـة لمقاومـة التطبيـع مع العدو

حركة مقاطعة إسرائيل "بي دي اس" (حركة مقاطعة العدو الصهيوني)

تحويل العملات ، وأسعار الصرف

كاريكاتير

إشترك وتابع قناة دكتور علاء الدين سعيد، على يوتيوب

إشترك في نشرتنا البريدية عبر بريدك الإلكترونى ليصلك جديدنا

تفضل بوضع بريدك الكترونى هنا ثم اضغط ثم قم بتفعيل اشتراكك من خلال بريدك الأكترونى

Delivered by FeedBurner