تم النشر فى : الأربعاء، 10 يوليو 2024
الناشر : مؤسسة الوطن العربى الإعلامية - لندن ، المملكة المتحدة . WA MEDIA FOUNDATION - LONDON, UK
فضل ومكانة ومنزلة العلم والعلماء فى الإسلام
الوطن العربي اليومية - لندن..
يقول الله - سبحانه وتعالى - في كتابه: ﴿شَهِدَ الله أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الحَكِيمُ﴾ [آل عمران: 18].
هذه الآية الكريمة في سورة آل عمران دلَّت على فضل العلماء من وجهين:
الوجه الأول: أنَّ الله -عز وجل- قَرَن شهادة العلماء في الأرض بشهادته -عز وجل- بنفسه وشهادة ملائكته، ولا شكَّ أنَّ هذا الاقتران يدلُّ على فضلهم ومكانتهم ومنزلتهم.
الوجه الثاني: أنَّ الله - عز وجل - استشهدهم على أعظم مشهودٍ، وهو توحيد الله -سبحانه وتعالى- فقال: ﴿شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾، قال العلماء: فهذا دليلٌ على فضل العلم وفضل أهله ومنزلتهم ومكانتهم.
وقد استنبط الإمامُ ابن القيم -رحمه الله تعالى- في "مفتاح دار السعادة" وفي "مدارج السالكين" عشرة أوجه من هذه الآية، كلها تدلُّ على فضل العلم ومنزلة أهله ومكانتهم.
الآية الثاني: يقول الله -عز وجل- في سورة البقرة: ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى المَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ [البقرة: 31].
فضَّل الله -عز وجل- آدم وميَّزه على الملائكة، ولما سألوا عن سبب هذا التَّمييز كانت الإجابة: أنَّ الله -عز وجل- علَّم آدم الأسماء كلها، فقال العلماء -رحمهم الله: "وهذا يدلُّ على شرف العلماء ومكانتهم؛ لأنَّ الله -عز وجل- ميَّز أبو الأنبياء آدم -عليه السلام- على الملائكة بالعلم، وشرَّفه به".
أيضًا من الآيات التي تدلُّ على فضل العلم -وأرعوا أسماعكم لهذه الآيات لأنَّها عبارة عن آيتين في سورتين يُبنى بعضهما على الآخر.
يقول الله - عز وجل - في سورة البينة: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ * جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ﴾ [البينة 7، 8].
إذن في بداية الآية قال: ﴿أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ﴾، ثم قال: ﴿ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ﴾.
وقال -سبحانه وتعالى- في سورة فاطر: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ [فاطر: 28].
يقول الإمام القرافي -رحمه الله- في كتابه "الذخيرة" -والإمام القرافي من كبار علماء المالكية: "إنَّ مَن خشي الله فهو خير البرية كما في سورة البينة -فمَن خشي الله فهو خير البرية- وكلُّ مَن خشي الله فهو عالم، فينتج عن هاتين المقدمتين النتيجة وهي: أن خير البرية هم العلماء".
إذن هذا أيضًا دليلٌ من الأدلة التي يسوقها العلماء -رحمهم الله تعالى- في بيان فضل العلم ومنزلة أهله.
وقد دلَّت أحاديث كثيرة من سُنَّة النبي -عليه الصلاة والسلام- على فضل العلم، منها :
الحديث الأول: رواه الإمامان البخاري ومسلم، فعن معاوية -رضي الله عنه- قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: «مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ».
خذ هذا الحديث وقارن بينه وبين قول النبي -صلى الله عليه وسلم- لابن عباس: «اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ، وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ».
يقول العلماء: "ولو كانت هناك دعوة لابن عباس أفضل من هذه يدعو له بها النبي -صلى الله عليه وسلم- لدعا له بها، ولكن لأنَّ العلم هو أفضل ما يُدعى به فقد دعا له النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يُفقهه في الدين ويُعلمه التأويل". وكان ما دعا به النبي -عليه الصلاة والسلام- فقد أصبح ابن عباس حبر الأمة وبحرها -رضي الله عنه وأرضاه.
قال ابن حجر -رحمه الله في "فتح الباري": "ويُؤخذ من هذا الحديث أنَّ علامة إرادة الله -عز وجل- بعبده الخير أن يكون من طلبة العلم، فإذا رأيت طالب العلم يرتاد المساجد لطلب العلم على أيدي العلماء، ويرتاد منازلهم ومجالسهم؛ فهذه علامة على أنَّ الله -عز وجل- أراد به خيرًا".