تم النشر فى : الخميس، 14 أبريل 2022
الناشر : مؤسسة الوطن العربى الإعلامية - لندن ، المملكة المتحدة . WA MEDIA FOUNDATION - LONDON, UK

نشأة دولة الخلافة الراشدة، الدولة الإسلامية الأولى





الوطن العربي اليومية - لندن..

الخِلافةُ الرَّاشِدَة، أو الخِلافةُ الراشِدِيَّة، أو دولةُ الخُلَفاءُ الرَّاشِدين، هي أولى دُول الخِلافة الإسلاميَّة التي قامت عقِب وفاة الرسول مُحمَّد يوم الاثنين 12 ربيع الأوَّل سنة 11هـ، المُوافق فيه 7 يونيو سنة 632م، وهي دولةُ الخِلافة الوحيدة التي لم يكن الحكم فيها وراثيًّا بل قائمٌ على الشورى، عكس دول الخِلافة التالية التي كان الحُكمُ فيها قائمٌ على التوريث.
توالى على حكم الدولة أربع خُلفاء من كِبار الصحابة، وجميعهم من العشرة المُبشرين بالجنَّة وِفق المُعتقد الإسلامي السُنّي تحديدًا، وهم: أبو بكر الصدّيق وعُمر بن الخطَّاب وعُثمان بن عفَّان وعليّ بن أبي طالب، يُضاف إليهم الإمام الحسن بن عليّ بن أبي طالب الذي يعدّ البعض عهده القصير في الحكم مُتممًا لعهد الأربعة الذين سبقوه. اشتهر الخُلفاءُ الراشدون بالزُهد والتواضع وعاشوا حياتهم دون أي أبَّهة وبشكلٍ مُماثل لباقي الناس، ويتَّفقُ عُلماء أهل السنَّة والجماعة أنَّهم أفضل حكَّام المُسلمين وأعدلهم، وأنَّهم كلَّهم سواسية ولا فضل لأحدٍ على آخر، بينما ينقسم الشيعة حول هؤلاء الخلفاء إلى رأيين: رأي الشيعة الاثنا عشريَّة والإسماعيليَّة الذين يعتبرون أنَّ عليّ بن أبي طالب هو الأحق بالخِلافة وأنَّ النبي مُحمَّد أوصى له بها، فهي من حق أهل بيت مُحمَّدٍ فقط وقد اغتُصبت منهم، ولهذا فهم يتخذون موقفًا سلبيًّا من الراشدين الثلاثة الأوائل؛ ورأي الشيعة الزيديَّة القائل بخِلافة المفضول مع وجود الأفضل، أي أنَّ عليًّا أحقُ بالخِلافة لكنَّهم يقرّون بصحَّة خلافة أبو بكر وعُمر وعُثمان. كذلك ظهرت خِلال أواخر هذا العهد طوائف أخرى بفعل الانقسام الذي حصل بين المُسلمين، منها من بالغ في حب عليّ بن أبي طالب ومنها من بالغ في كرهه.

بلغت الخِلافةُ الرَّاشِدة أوج اتساعها خلال عهد الخليفة الثالث عُثمان بن عفَّان، فامتدت أراضيها من شبه الجزيرة العربيَّة إلى الشام فالقوقاز شمالًا، ومن مصر إلى تونس غربًا، ومن الهضبة الإيرانيَّة إلى آسيا الوسطى شرقًا، وبهذا تكون الدولة قد استوعبت كافَّة أراضي الإمبراطوريَّة الفارسيَّة الساسانيَّة وحوالي ثُلثيّ أراضي الإمبراطوريَّة البيزنطيَّة. وقد وقعت أغلب الفتوحات الإسلاميَّة في عهد الخليفة الثاني عُمر بن الخطَّاب، وأخذت القبائل العربيَّة تتوطن في البلاد الجديدة وتعمل على نشر الإسلام بين أهلها، فأصابت في ذلك نجاحًا كبيرًا حيث اعتنقت الأغلبيَّة الساحقة من أهالي تلك البلدان الإسلام خلال السنوات اللاحقة، وقد برز في عهد الخِلافة الراشدة أسماء عدد من القادة العسكريين الذين احتلّوا منذ ذلك الحين مكانةً مرموقة في عالم الفاتحين التاريخيّن، ومنهم: خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وسعد بن أبي وقَّاص. وكان اتساع الدولة سببًا في جعل العرب يقتبسون لأوَّل مرَّة النظم الإداريَّة الأجنبيَّة، فاتبعوا التنظيمات والتقسيمات الإداريَّة البيزنطيَّة والفارسيَّة وأبقوا على بعضها كما هو وأدخلوا تعديلاتٍ على أخرى حتى تتناسب مع الظروف المُعاصرة.
أخذت المشاكل تدبُّ في جسم دولة الخِلافة الراشدة خلال عهد عُثمان بن عفَّان، عندما وقع الانقسام بين المُسلمين لأوَّل مرَّة وأدّى إلى مقتل عثمان، وتفاقمت المشاكل لاحقًا في عهد عليّ بن أبي طالب، وقد انتهى العهد الراشِدي واقعيًّا بعد أن تحاكم عليّ ومُعاوية بن أبي سُفيان بعد رفع المصاحف في معركة صفين وانقسمت الدولة على إقليمين، أحدهما خاضعٌ لعليّ والآخر لمُعاوية، وانتهت تمامًا بعد أن تنازل الحسن بن علي عن الخِلافة لمُعاوية في عام الجماعة حقنًا لدماء المُسلمين، وبعد وفاة الحسن ثبَّت مُعاوية الحكم في البيت الأموي وجعلها وراثيَّة، فكان بذلك المؤسس للدولة الإسلاميَّة الثانية؛ الدولة الأموية.

توفي النبي مُحمَّد صلى الله عليه وسلم ضحى يوم الاثنين في 12 ربيع الأوَّل سنة 11هـ، المُوافق فيه 7 يونيو سنة 632م في بيت زوجته عائشة بنت أبي بكر بالمدينة المنوَّرة، وقد تمَّ له 63 سنة، فأحدثت وفاته صدمة عنيفة فاجأت المُسلمين عامَّةً، فتجمهروا خارج دار عائشة يريدون التأكد، وقام عُمر بن الخطَّاب من هول صدمته يخطب الناس ويتوعَّد من قال "مات" بالقتل والقطع، حتى أقبل أبو بكر الصدّيق من السنح على دابَّته ونزل بباب المسجد ودخل بيت عائشة وكشف عن جثمان النبيّ وجثا عليه يُقبِّله ويبكي ثمَّ قال: «بأبي أنت وأُمِّي، طِبت حيًّا وميتًا، والذي نفسي بيده، لا يُذيقك الله الموتتين أبدًا، أمَّا الموتة التي كُتبت عليك فقد مُتَّها»، ثمَّ خرج سريعًا إلى المسجد حتى أتى المنبر. وجلس عُمر وجلس باقي الصحابة والناس، فتشهَّد أبو بكر وحمد الله وأثنى عليه ثمَّ قال: «أَمَّا بَعْدُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ»، وقرأ عليهم الآية 144 من سورة آل عمران: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ﴾. وعندما تلا أبو بكر هذه الآية أيقن عُمر بن الخطَّاب والمُسلمون أنَّ مُحمَّدًا قد توفي بحق، وقد غُسل جثمانه في بيت عائشة وليس فيه إلَّا أهله: عمّه العبَّاس بن عبد المطلب وابن عمَّه عليّ بن أبي طالب، والفضل بن العبَّاس وقثم بن العبَّاس وأسامة بن زيد بن حارثة وصالح مولاه، ثُمَّ كُفِّن ودُفن حيث كان فراشه بعد أن قال أبو بكر: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: "مَا قُبِضَ نَبِيٌّ إِلَّا دُفِنَ حَيْثُ يُقْبَضُ"». 
خلقت وفاة النبي مُحمَّد وضعيَّة خاصَّة ذات ملامح مُتفرِّدة ومصيريَّة، وبرزت فورًا مسألة الحِفاظ على إنجازاته من دين ودولة، وبالتالي مسألة خِلافته. وساهمت غيبته في إبراز الطابع الدُنيوي للأحداث، حيث أخذت المصالح الاجتماعيَّة للقبائل المُختلفة التي ما زالت ضمن الحظيرة الإسلاميَّة، تُعبِّرُ عن نفسها بأشكالٍ مُباشرةٍ وصريحةٍ تتلائم ُ مُباشرةً مع محتواها. والواضح أنَّ مسألة قيادة المُسلمين بعد وفاة النبي، كانت المسألة الرئيسَّة والحاسمة التي ارتبطت بها كل المسائل الأخرى على أن تتلازم مع الأُسس التي وضعها لإقامة دولة. ففي الوقت الذي أُعلن فيه خبر الوفاة، برزت لدى كِبار الصحابة من الأنصار، الأوس والخزرج، قضيَّة اختيار خليفة للنبي، ذلك أنَّه وفقًا لعلماء أهل السنَّة لم يرد في القرآن نصٌّ صريح يُحدد أُسس انتخاب خليفة للرسول، لكنَّه دعا إلى الشورى في سورةٍ تحملُ ذات الاسم: ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ﴾، وفي سورة آل عمران: ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ﴾، وكان النبيّ قد أمر بالشورى فيما لا نص فيه، وكان يتخذ من أهل الرأي والبصيرة مجلسًا للشورى، وكان يُكثر من مُشاورة الصحابة وبالأخص كبارهم السبَّاقين إلى الإسلام. بالمُقابل يرى عُلماء الشيعة أنَّ مسألة اختيار خليفة للمُسلمين كانت محسومة بنصٍ قرآنيّ وبعددٍ من الأحاديث النبويَّة، وأنَّها كلّها تُشير إلى أحقيَّة آل بيت الرسول بالخِلافة وفي مُقدِّمتهم عليّ بن أبي طالب، ومن ذلك الآية 55 من سورة المائدة: ﴿إنَّمَا وَليّكم اللّه وَرَسوله وَالَّذينَ آمَنوا الَّذينَ يقيمونَ الصَّلاَةَ وَيؤتونَ الزَّكَاةَ وَهم رَاكعونَ﴾، حيث ذهب المُفسرون والعُلماء إلى أنَّها نزلت في حق عليّ حينما تصدَّق بخاتمه في أثناء الصلاة؛ وقول النبي مُحمَّد لعليّ: «أَمَا تَرضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِن مُوسَى؟»، وقوله أيضًا: «عَلِيُّ وَليُّ كُلَّ مُؤمِنٍ بَعدِي». 
وفي جميع الأحوال فإنَّ ما جرى بعد ذلك كان اجتماع الأنصار في سقيفة بني ساعدة لاختيار خليفة للنبيّ، وقد تمَّت الدعوة للاجتماع على عجلٍ دون إعلام المُهاجرين بسبب عدَّة عوامل لعلَّ أبرزها هو أنَّ أهل المدينة كانوا يرون أنَّهم أحق بالخِلافة لأنَّهم أوَّل من ناصر النبي مُحمَّد واستقبلوه مع أصحابه المُهاجرين وجاهدوا معه في سبيل الله،(1) واتفق الأنصار على مُبايعة سعد بن عبادة الخزرجي، فأجلسوه وعصبوه بعصابة وثنوا له وسادة. بالمُقابل كان المُهاجرون آنذاك أكثر بُعدًا عن هذا المُناخ السياسي، بعضهم قد شُغل بوفاة النبيّ مُحمَّد وجهازه ودفنه، وبعضهم ما تزال الصدمة تملأ نفسه، وبعضهم لم يُفكّر في اختيار خليفة مُعتقدًا أنَّ هذا الأمر هو آخر ما يقع الاختلاف فيه، وهم على يقين أنَّ ما من طائفة من المُسلمين سوف تُنازعهم في هذا الأمر. ولمَّا بلغ خبر اجتماع السقيفة أبا بكر الصدّيق وعُمر بن الخطَّاب بعد ليلة الاثنين يوم وفاة الرسول مُحمَّد، مضيا إلى هُناك مُسرعين بفعل أهميَّة وخطر الموضوع المطروح من مُشكلة الحُكم، وانطلق معهما أبو عُبيدة بن الجرَّاح ودخلوا سقيفة بني ساعدة حيث شقَّ أبو بكر طريقه إلى صدر الاجتماع، وألقى خِطبة في المُجتمعين بيَّن فيها وجهة نظر المُهاجرين عامَّة من قضيَّة اختيار خليفة للنبيّ، فجرت مُناقشة هادئة انتهت إلى القول بالثنائيَّة في الحكم: "منَّا أمير ومِنكم أمير"، وكان صاحب هذه النظريَّة هو الحبَّاب بن المنذر. لكنَّ أبا بكر ومن معه كانوا يُفضلون وحدة الأمَّة التي أسسها النبي، وحدَّد أبو بكر الأولويَّة بالأقدميَّة في حياة الإسلام، وبالعذاب في سبيل العقيدة والإيمان دون أن يُغمط حق الأنصار من التكريم ودون التغافل عن مزاياهم، فتطوّرت المواقف المُتباينة التي عُرضت في الاجتماع نحو التأزّم، ولم تنفرج إلّا بعد أن أيَّد بشير بن سعد بن النعمان الأنصاري موقف المُهاجرين، فتحرَّك أبو بكر في تلك اللحظة مُستغلًّا تحوّل الموقف لصالح المُهاجرين وبعد أن رأى أنَّ الفرصة سانحة لإقفال باب المُناقشة، فدعا المُجتمعين إلى مُبايعة عُمر بن الخطَّاب أو أبي عُبيدة بن الجرَّاح، لكنَّ عُمر أبى إلَّا أن يتولَّاها أبو بكر، فقال أنَّ لا أحد أحق بالخلافة من أفضل المُهاجرين وثاني اثنين إذ هما في الغار، فطلب منه أن يبسط يده ليُبايعه، فسبقه بشير بن سعد وأُسيد بن حضير، ثمَّ أقبل الأوس والخزرج على مُبايعته باستثناء سعد بن عبادة بسبب حراجة وضعه كزعيم رشحته الخزرج، وصحَّة جسمه حيث كان عليلًا. وصبيحة الثلاثاء 13 ربيع الأوَّل سنة 11هـ، المُوافق فيه 8 يونيو سنة 632م، تمَّت في المسجد البيعة العامَّة من المُهاجرين والأنصار قاطبةً، حيث خطب عُمر بن الخطَّاب على المنبر ثمَّ أصعد أبو بكر فبايعه عامَّة الناس.
جرت هذه الوقائع في الوقت الذي كان فيه عليّ بن أبي طالب والزُبير بن العوَّام، ونفر من بني هاشم، وطلحة بن عُبيد الله، مشغولين بجهاز النبي ودفنه، فغابوا عن اجتماع السقيفة. وعليه، لم يكن لعليّ رأي مُباشر في النقاش إلَّا أنَّه بايع أبا بكر في نهاية المطاف، واختلف رأي العُلماء والباحثين السُنَّة مع رأي العُلماء والباحثين الشيعة في هذا المجال،(2) فقال السنَّة أنَّ عليًّا عتب على أبو بكر لأنَّه لم يأخذ مشورته قبل بيعة السقيفة والبيعة العامَّة، ثمَّ بايعه البيعة العامَّة في المسجد بعد أن طلبه حين لم يراه بين الجمهور، وأنَّ مُبايعة عليّ لأبي بكر كانت بملء إرادته، بينما قال الشيعة أنَّ عمرًا وجماعة من الصحابة أرغموا بني هاشم والزُبير على مُبايعة أبي بكر في حين امتنع عليّ ستَّة أشهر من المُبايعة. 

الناشـر :

الناشـر مؤسسة الوطن العربى الإعلامية - لندن ، المملكة المتحدة . WA MEDIA FOUNDATION - LONDON, UK على 3:35:00 م. فى باب . يمكنك متابعة أخبارنا وموضوعاتنا والتعليق عليها من خلال الدخول إلى RSS 2.0. ، فأهلاً بك

للحصول على نسختك الورقية من هنا ، إضغط هنا لطباعة الصفحة

اترك الرد

تفضل بوضع تعليقك هنا وأهلا بك وتعليقك الملتزم المحترم

Translator of WA Daily Newspaper

للحصول على نسختك الورقية من هنا

الارشيف

الشاعر دكتور علاء الدين سعيد وقصيدته "المأساة عربية" من حفل ديوانه قافلة العودة بمعرض القاهرة للكتاب

ديوان " قافلة العودة " للشاعر د. علاء الدين سعيد ، بمعرض القاهرة الدولي للكتاب 2023م

الآن بالمكتبات الكُبرَى ومنافذ التوزيع ديوان "قافلة العودة" للشاعر د. علاء الدين سعيد

الحمـلة العالميـة لمقاومـة التطبيـع مع العدو

حركة مقاطعة إسرائيل "بي دي اس" (حركة مقاطعة العدو الصهيوني)

تحويل العملات ، وأسعار الصرف

كاريكاتير

إشترك وتابع قناة دكتور علاء الدين سعيد، على يوتيوب

إشترك في نشرتنا البريدية عبر بريدك الإلكترونى ليصلك جديدنا

تفضل بوضع بريدك الكترونى هنا ثم اضغط ثم قم بتفعيل اشتراكك من خلال بريدك الأكترونى

Delivered by FeedBurner