تم النشر فى : الخميس، 30 يونيو 2022
الناشر : مؤسسة الوطن العربى الإعلامية - لندن ، المملكة المتحدة . WA MEDIA FOUNDATION - LONDON, UK

دكتورة نهلة درويش ، تكتب: أتعبتني الست فوقية


الوطن العربي اليومية - لندن..

                                                    أصبحت منهك القوى، محبط الإرادة، ساقط في فخ التعاسة، ضاع حلمي بسبب النفوس الخناسة.. أشعر أنني أصبحت مجرد دمية.. تماماً كعرائس الماريونيت التي يتم التحكم بكل حركة من حركاتها باستخدام مجموعة من الخيوط والعصيان، وبتوجيه شخص فوقي أو مجموعة شخوص فوقية. هذا الشعور كثيراً ما نصاب به، فأحياناً نشعر أنه يتم التحكم فينا من خلال "ريموت كنترول" جهاز التحكم عن بعد.. يتم تشكيل وعينا والتأثير علينا بأساليب مختلفة لتبني سياسات أو الإيمان بتوجهات معينة.. وتتحكم السيدة فوقية في هذا الريموت.. أياً كان موقع هذه الفوقية، فالفوقيات كثيرات.. فسابقاً سادت الفوقية الاستعمارية لفترة تاريخية.. ذاق خلالها البشر مختلف ألوان الاستغلال والكدر.. وظلت الشعوب تناصل من أجل اكتساب استقلالها وحريتها وترسم طريقها بحذر.. حروب ومعارك دارت راح ضحيتها العديد من البشر.. وحتى الآن مازالت بعض الشعوب تعاني من ندبات ووصمات السيطرة الاستعمارية وضغوطها الفوقية.. ندبات ووصمات نتج عنها الكثير من الأمراض النفسية والمشاكل المجتمعية. وبعد أن انتهت السيدة فوقية من سياساتها الإستعمارية ذات الأهداف الإمبريالية.. بدأت في نشر شبكات فوقية من نمط أخر، وتدعوا لتبني إيديولوجيات فكرية وأنظمة مختلفة، قد لا تخلو هي أيضاً من بعض الطموحات الاستغلالية.. كان من بين دعواتها الدعوة إلى: التنوير؛ النهضة؛ العلمانية؛ الشيوعية، الاشتراكية؛ الرأسمالية؛ الحداثة؛ العولمة؛ الشركات متعددة الجنسية؛ النزعة المادية والمضاربات المالية العالمية.. وكلً له شبكته ووسائله الفوقية الخاصة به، شبكة لها مؤثراتها وضغوتها على تشكيل نمط حياة مجموعة من البشر. روجت أيضاً السيدة فوقية لتطبيق مفهوم الديمقراطية والتعددية الحزبية، ونادت بتطبيق هذه الممارسات في معظم الدول العربية.. نماذج فكرية مستوردة كان دائماً ما يتم التشجيع على تبنيها في الدول العربية سواء كانت تتناسب ظروفها (الزمانية والمكانية) مع التجربة المستوردة أم لا.. بالطبع كان هناك عدد من التجارب "المستوردة" الناجحة التي بفضلها استطاع بعض الدول تحقيق التقدم وصعود سلم التنمية.. ولكنها مع ذلك تظل نماذج مستوردة، غير نابعة من ثقافة المجتمع الأصلية، وتؤثر على تغيير بعضً من ملامحها. وتعتبر المنظومة التكنولوجية والجهاز الإعلامي من أهم الأليات التي تستخدمها السيدة فوقية في غزل شباكها الضاغطة والمؤثرة على توجهات البشر.. ونشر مختلف قضايها ومشاريعها الخاصة بها الكفيلة بتحقيق مصالحها وأهدافها.. كتشجيع النزعة الاستهلاكية، والتمركز حول القيم المادية والفردية، تبني قيم الحداثة والعصرية في نمط الحياة، نشر القضايا التي تدعو للتجزئة والتفكك منفرة النفوس من قيم التماسك والتكافل الاجتماعي.. ومع ذلك لم تخل سياسية السيدة فوقية من بعض التناقضات، فمثلاً: هاجمت بشراسة التيار التطرفي الإرهابي، واعتادت أن تلصق العمليات الإرهابية إلى الجماعات العربية وخاصة ذات المرجعيات الإسلامية.. على الرغم من أن المجتمعات الغربية ينمو بداخلها (كما هو معروف) عصابات إجرامية بتشكيلات مكبرة أو مصغرة، وتمارس عمليات إجرامية – حديثة النمط – على مستويات مختلفة.. كذلك غزت الثقافة الفوقية نمط حياتنا وأثرت على توجيه أفكارنا وتغيير هويتنا القومية واللغوية.. فأي حديث بين شخصين أو مجموعة أشخاص في البرامج الحوارية أصبح لا يخلو من بعض كلمات "أنجليزية"، وكأنه نوع من إظهار الحضرية والحداثة.. ولكن يبدوا أننا نتبنى الحداثة المظهرية فقط دون الاهتمام بتطوير ذواتنا وفكرنا جوهرياً.. وكما سيطرت الفوقية العالمية على الفوقية المحلية وبعضاً من سياساتها الداخلية مؤثرة بدرجة ما على اقتصادياتها الوطنية.. مارست أيضا الفوقية المحلية سيطرتها على شعوبها.. سيطرتها في شكلها المقبول من خلال سن القوانين والحفاظ على النظام الأمني والاستقرار السياسي والاقتصادي وتدعيم نظم الضبط الاجتماعي وكل العمليات والإجراءات التي تخدم وتراعى مصالح المواطنين.. وأحياناً أخرى تمارس سيطرتها بشكل متطرف غير مقبول متبنية سياسة ضاغطة مشددة تزيد من معاناة البشر، وتقدم المبررات والحجج والبراهين على أنها تفعل هذا لمراعاة صالح البشر.. وتستخدم في ذلك أساليب جهنمية وألاعيب بديعة الإخراج لإقناع البشر بأن سياستها هي الأصلح والأمثل لتحقيق كل خير والابتعاد عن كل شر. وقد تضايق السيدة فوقية "المحلية" من أي نقد أو أي معارضة، وتنزعج من ممارسات التظاهر والاحتجاج على ما تمارسه من سياسات اسقطت من اهتمامها مصالح "القاعدة التحتية".. وكيف لا والسيدة فوقية "المحلية" تعاني من تضخم الآنا والذاتية، لأنها اعتادت على أعتلاء الكراسي والمناصب العلوية، ويصعب أن تتقبل بأي شكل من الأشكال أي تعليق أو توجيه أو تقد أو اعتراض على أساليبها السياسية والإدارية.. مع كل احترامي وتقديري لكل السيدات الفوقيات.. أياً كان موقعهن.. عالمية كانت أو محلية، في محيط العلاقات الاجتماعية العامة أو الشخصية، في نطاق المعاملات المباشرة أو غير المباشرة.. كلً له طبقته الفوقية.. وقليلاً جداً ما تكون السيدة فوقية لطيفة ورحيمة بظروف الطبقات التحتية، قليلاً ما تحرص على تحقيق إنسانيتها.. وربما هي تحاول الإسهام بمشاريعها في مجال التنمية، ولكن يبدوا أن إسهاماتها هذه غير كافية لتشمل معالجة كافة القضايا والمشاكل.. حيث نجد أن هناك الكثير من المشاكل والآزمات التي تعاني منها "فئات تحتية"، نجد أن كثير منها مهمل وساقط من أجندات الطبقة "الفوقية" المسئولة.. ويبدوا أيضاً أن الصراع الطبقات الفوقية والطبقات التحتية هو صراع مستمر ومتغير، ويأخذ أشكال عديدة عبر الزمن.. قد تفوز السيدة فوقية كل الوقت، وقد تنتصر الطبقات التحتية بعض الوقت.. المهم أن السيدة فوقية تظل ممسكة دائماً بجهاز التحكم "الريموت كنترول" ومحكمة بخيوط "لعبة الماريونيت".
--------------------------------------

الكاتبة: د. نهلة أحمد درويش - دكتوراة في الآداب ،علم الاجتماع

 

الناشـر :

الناشـر مؤسسة الوطن العربى الإعلامية - لندن ، المملكة المتحدة . WA MEDIA FOUNDATION - LONDON, UK على 10:52:00 ص. فى باب . يمكنك متابعة أخبارنا وموضوعاتنا والتعليق عليها من خلال الدخول إلى RSS 2.0. ، فأهلاً بك

للحصول على نسختك الورقية من هنا ، إضغط هنا لطباعة الصفحة

اترك الرد

تفضل بوضع تعليقك هنا وأهلا بك وتعليقك الملتزم المحترم

Translator of WA Daily Newspaper

للحصول على نسختك الورقية من هنا

الارشيف

الشاعر دكتور علاء الدين سعيد وقصيدته "المأساة عربية" من حفل ديوانه قافلة العودة بمعرض القاهرة للكتاب

ديوان " قافلة العودة " للشاعر د. علاء الدين سعيد ، بمعرض القاهرة الدولي للكتاب 2023م

الآن بالمكتبات الكُبرَى ومنافذ التوزيع ديوان "قافلة العودة" للشاعر د. علاء الدين سعيد

الحمـلة العالميـة لمقاومـة التطبيـع مع العدو

حركة مقاطعة إسرائيل "بي دي اس" (حركة مقاطعة العدو الصهيوني)

تحويل العملات ، وأسعار الصرف

كاريكاتير

إشترك وتابع قناة دكتور علاء الدين سعيد، على يوتيوب

إشترك في نشرتنا البريدية عبر بريدك الإلكترونى ليصلك جديدنا

تفضل بوضع بريدك الكترونى هنا ثم اضغط ثم قم بتفعيل اشتراكك من خلال بريدك الأكترونى

Delivered by FeedBurner