تم النشر فى : الجمعة، 15 يوليو 2022
الناشر : مؤسسة الوطن العربى الإعلامية - لندن ، المملكة المتحدة . WA MEDIA FOUNDATION - LONDON, UK

دكتورة نهلة درويش ، تكتب : فقير وأحتاج للدعم


الوطن العربي اليومية - لندن..

                                                    رأيت في منامي حلماً منذ عدة سنوات مضت.. حيث كنت أجلس على رصيف والشيخ الجليل محمد متولي الشعراوي "رحمه الله" يجلس على الرصيف المقابل.. وإذ بي أعبر الطريق لأذهب إليه ليضمني تحت عبائته. عادةً لا اشغل نفسي بتفسير الآحلام.. ولكن أثر هذا الحلم ومعناه ظل محفوراً في أعماقي.. فلقد اشرح صدري أن يضمني شيخ ٌ جليلٌ في مكانة الشيخ الشعراوي تحت عبائته.. ولعل هذا الاحتياج بالإحتواء والضم والدعم من الاحتياجات الملحة التي ألتمسها على المستوى الشخصي.. ولعلنا نلتمسها جميعاً ونكون على درجة من الحظ إذا ما رزقنا الله بأشخاص تلبي هذه الاحتياجات على مر حياتنا.. ولكن مؤخراً بات يراودني شعور بأننا جميعاً قد أصبحنا فقراء وبحاجة للدعم والإحتواء.. فهناك أوقات كثيرة نكون بحاجة لإعادة شحن طاقتنا الإيمانية للإهتداء إلى بصيص نور وطريق هدى، وخاصة حينما نطلب الاستخارة في أمرً يصعب علينا التقرير بشأنه.. نلتمس معرفة الطريق الصحيح للخروج من أزمة ما أو نطلب التيسير والتوفيق للخروج من مشكلة أو مأزق ما. أحياناً يمن علينا الله ببعث ومضات نورانية روحانية بداخلنا تمنحنا القوة على المواصلة والاستمرار.. قد تأتينا هذه الومضات مشتعلة ومتوهجة القوة.. ثم شيئاً فشيئاً يخف اشتعالها وتوهجها إلى أن تختفي ونشعر أننا نعيش في ظلمة وضياع.. ونحتاج شحن طاقتنا من جديد.. وهكذا نفتقر دائماً لشيء ما في حياتنا ونحتاج للدعم. نعم هناك فقراء لا تستطيع تدبير كفاف العيش، إناس يحتاجون كثير من الدعم.. ولكني أود هنا أن ألقي الضوء على شكل آخر من الفقر.. فقر أصاب كثير من قيمنا وعلاقاتنا الاجتماعية.. فقر قد يعبر عن شكل من المرض الاجتماعي والسلوكي نتج عنه ظهور بعض العلل والمشاكل الموجعة في حياتنا الاجتماعية.. فعلى الرغم من التطور المذهل الذي حدث في تكنولوجيا الاتصالات، بدءً من الإنترنت وظهور كثير من مواقع التواصل الاجتماعي وغرف الشات.. هذا إلى جانب تقنيات الموبيل العديدة.. وجميعها وسائل تمكننا من التواصل مع المعارف والأصدقاء أو حتى التعرف على أصدقاء جدد.. إلا أننا مازال ينمو بداخلنا شعور قوى بالاغتراب، أو بداخل كثير منا، حيث أني لا أميل إلى التعميم.. ولكن هناك لحظات يظل ينتابنا شعور بالوحدة القاتلة.. شعور بندرة العثور على شخص قريب وحميم يمكن أن نأتمنه على ما بداخلنا حينما نشعر بضيق أو وجع.. شخص يمكن أن يتفهم ويقدم النصيحة المخلصة بصدرً رحب، ويحمل بعض الحرص على مصلحتنا.. أحياناً كثيرة نظل نفتقر وجود هذا الشخص بجوارنا أو في محيط علاقتنا الاجتماعية.. فإذا ما تأملنا شكل العلاقات الاجتماعية فيما بين الطلاب أو زملاء العمل، فقلما نجد علاقات الصداقة التى تتصف بالصفاء والصدق.. نعم قد تبنى علاقات العمل والدراسة على شكلاً من الرسمية وقد تنتهي العلاقة بإنتهاء الغرض أو الفعل الذي قامت من أجلة العلاقة الاجتماعية.. ولكن كثيراً ما نشعر بزيادة نبرة الصراع والمنافسة التي قد تصل إلى حد الشراسة والبغضاء والعنف.. فلقد أصبحنا نفتقر إلى الشعور ببعض الصدق واخلاص النية ووضوح التعاملات بما يساعد على تخفيف حدة العداوة فيما بيننا.. علماً بأن وجود مثل هذا الشكل من المصداقية والشفافية في علاقتنا لا يمنعنا من تحقيق مصالحنا الخاصة. وعلى ذكر العنف.. نستطيع أن نرصد بوضوح درجة العنف التي أزدادت حدتها في الشارع.. من مشاجرات وعراك بالأيدى والأسلحة إلى تبادل ما يسوء السمع من السباب والشتائم.. وكأن الأفراد أصبحت تستعرض قدراتهم الإبداعية في طرح قصائد السباب والشتائم.. ليس في الشارع فقط ولكن في أماكن عامة كثيرة.. بل وشاهدناها مؤخراً في نصوص كثير من المسلسلات.. حيث يبدوا أنها أصبحت ثمة ثقافية جديدة تتصف بها حياتنا اليومية.. وهنا أصبحنا حقيقي فقراء ونحتاج للدعم لاستعادة جمال لغتنا العربية الغنية بمفراداتها الإبداعية.. وللعمل على حماية اصتباغ هويتنا الثقافية بمفرادات الشتائم والسباب والتعبير عنها كشكل من ثقافة الشارع. وألاحظ ارتفاع معدلات الفقر بشدة على مستوى العلاقات الأسرية والعائلية، إذ نجد هناك حالات شديدة الفقر للتراحم والتواصل والإحسان.. حالات تحتاج للدعم الشديد والمعالجة المكثفة.. مثل عدم البر بالوالدين وعدم الإحسان لوالدة الزوج على الأخص.. فالزوج من الممكن أن يهمل رعاية والديه ويقطع صله رحمه إرضاءً لزوجته.. ولعله أصبح من المميزات المطلوبة في الزوج المعاصر أن تكون والدته في زمة الله "متوفاه" وليس له أخوات، ويفضل أن يكون "مقطوع من شجرة". ونلاحظ حتى في مضمون الإعلانات التليفزيونية تصوير شخصية أم الزوج بشخصية تتصف بسمات متسلطة شريرة تتدخل في تفاهات الأمور. وهناك علاقات أسرية أخرى تتوغل بداخلها مشاعر العداء والكراهية بسبب إنعدام الوفاق بين زوجين يختارا أن يعيشان معاً حياة تعيسة، أو يختارا الانفصال والطلاق.. وفي كلتا الحالتين يدفع صغار الأبناء ثمن الأفعال التي بنيت على الكراهية والعداء.. بل والكبار أيضاً قد يتضح لهم في نهاية الأمر ضياع عمرهم في عراك وصراع وضغوط نفسية لا تجدي.. وكان عليهم فقط تغير وجه نظرهم للمشكلة، ومحاولة تبني بعض المرونة لاستيعاب الأمور.. نعم قد يكون من الصعب قيامنا بهذا مع بداية حدوث المشلكة.. ولكن حتى بعد مرور فترة على حدوثها يبدوا أن لدى بعضنا فقراً في درجة المرونه لتغير موقفهم من الأخر، ليعيشوا في ظل أفكارهم المتحجرة الثابتة ثبات الجبال.. وفي ظل الوقت المعاصر.. نشاهد درجات عنيفة من الفقر في العلاقات الاجتماعية داخل الأسرة الواحدة.. من حيث الأصابة بالصمت وفقر الحوار، فتور العلاقات وضعفها بين أفراد الأسرة، فكل فرد يهتم بعالمه الخاص وشئونه ومشاكله الفردية، أما المشاكل الخاصة بأحد أفراد أسرته فقد تكون خارج إطار اهتماماته.. ولذا فهو لا يهتم ببذل أي جهد لتقديم الدعم والمشاركة الوجدانية، أو أي شكل من أشكال المساعدة لأفراد أسرته وعائلته.. ولعل أسلوب التربية والتنشئة الاجتماعية هو المسئول عن وجود مثل هذا النوع من الفقر في الترابط الأسري وأهمال غرس قيمة المسئولية لدى الابن/ الابنة بالقيام بواجباتهم نحو الأخرين.. حتى يمكن إثراء ودعم التكاتف والمشاركة والمساندة، وجدانية كانت أو اجتماعية.. ويتبدى أشد درجات الفقر في صور إنتمائنا للوطن وارتباطنا بأرضه.. فوطنا الغالي مصر قد حباه الله ببعض المميزات والبقاع التي تفيض جمالاً.. من بينها مدينة الأقصر وأسوان، ومدينة شرم الشيخ ودهب ونوبيع وغيرها من المدن التي تتميز بمناظر خلابة جاذبة للاستثمارات البشرية (السائحين) والمادية (المنشآت المعمارية وتوفير فرص عمل).. كما يلاحظ أن سكان هذه المناطق يتمتعون بروح سمحة بشوشة وطيبة وهدوء في التعامل، بل ويتمتعون بسمة الإبداع في ابتكار أساليب جديدة لكسب العيش.. واستحداث وسائل جديدة لجلب الموارد المالية بشكل يرضي كافة الأذواق للثقافات الأجنبية.. ولعل هذا الموضوع يصلح مقالاً منفرداً.. ولكن رأيت إدراجه كنبذه هنا نظراً لأنه موضوع يعبر عن صور قاتمة للفقر.. فقر حب المكان الذي نعيش فيه، ونمو الرغبة في هجره والذهاب إلى مكان آخر من بقاع العالم.. وفقر الاهتمام بتنميته والإرتقاء به.. نعم هذا المكان – الوطن – يعج بالعديد من المشاكل والسياسات التي تسبب ازعاج وتنغيص للمواطنين مما يمنعهم من إمكانية العيش حياة كريمة سهلة ويسيرة في أساليب أداء الخدمات والحصول عليها.. هذا الملف يحتاج الكثير من الدعم على جميع المستويات.. وذلك حتى لا تهاجر العقول ويشتد فقر المجتمع بدرجة أكبر واعمق.. نعم نحن نحتاج للدعم.. ليس الدعم الأجنبي وإن كان البعض يراه ضرورة.. ولكننا بحاجة ماسة لدعم تنمية الذات.. تنمية الوعي بقيمة التعاون وتكاتف الأيدى والعمل كفريق في ظل مفهوم التضامن الجماعي.. حتى يمكننا محاربة كافة أشكال الفقر على المستوى الفردي والجماعي، وتقديم المساعدة والأحتواء لكل فقير يحتاج للدعم ويعاني.
 

الناشـر :

الناشـر مؤسسة الوطن العربى الإعلامية - لندن ، المملكة المتحدة . WA MEDIA FOUNDATION - LONDON, UK على 5:01:00 ص. فى باب . يمكنك متابعة أخبارنا وموضوعاتنا والتعليق عليها من خلال الدخول إلى RSS 2.0. ، فأهلاً بك

للحصول على نسختك الورقية من هنا ، إضغط هنا لطباعة الصفحة

اترك الرد

تفضل بوضع تعليقك هنا وأهلا بك وتعليقك الملتزم المحترم

Translator of WA Daily Newspaper

للحصول على نسختك الورقية من هنا

الارشيف

الشاعر دكتور علاء الدين سعيد وقصيدته "المأساة عربية" من حفل ديوانه قافلة العودة بمعرض القاهرة للكتاب

ديوان " قافلة العودة " للشاعر د. علاء الدين سعيد ، بمعرض القاهرة الدولي للكتاب 2023م

الآن بالمكتبات الكُبرَى ومنافذ التوزيع ديوان "قافلة العودة" للشاعر د. علاء الدين سعيد

الحمـلة العالميـة لمقاومـة التطبيـع مع العدو

حركة مقاطعة إسرائيل "بي دي اس" (حركة مقاطعة العدو الصهيوني)

تحويل العملات ، وأسعار الصرف

كاريكاتير

إشترك وتابع قناة دكتور علاء الدين سعيد، على يوتيوب

إشترك في نشرتنا البريدية عبر بريدك الإلكترونى ليصلك جديدنا

تفضل بوضع بريدك الكترونى هنا ثم اضغط ثم قم بتفعيل اشتراكك من خلال بريدك الأكترونى

Delivered by FeedBurner