تم النشر فى : الأربعاء، 20 مارس 2024
الناشر : مؤسسة الوطن العربى الإعلامية - لندن ، المملكة المتحدة . WA MEDIA FOUNDATION - LONDON, UK
إنعكاسات على روح هائمة - قصة قصيرة للأديب الأستاذ علاء النادي
إنعكاسات على روح هائمة
قصة الأديب الأستاذ علاء النادي
خرجت الفتاة الصغيرة كعادتها ـ في الصباح الباكر ـ تحمل جرتها فوق رأسها فى ثبات ..كانت الشمس تلامس إنحناءة الافق .. تسيل أشعتها الحانية على الأشجار والطرقات والبيوت الصغيرة ، فتضفى على القرية هالة من النور والبهجة .. الريح الخفيفة تحرك فى رقة أوراق الشجر، وطيور تعزف موسيقا وألحانا امتزجت برائحة الأزهار التى تفيض بها النباتات المفعمة بالشمس.
سارت الفتاة منتعشة بجمال الطبيعة ،منتشية بعطر الأزهار،
تتناغم خطواتها مع دفقات النسيم الرقيقة ، مأخوذة بروعة اللحظة.
فى طريقها إلى (طلمبة المياه) التى تقع على قارعة الطريق .. انتابها فجأة شعور غريب ، واندفع شيء غامض بداخلها ، اجتاح كيانها كالثور الهائج محطما بقرنيه سكينتها ، فتدفقت رياح عاصفة تحولت إلى كلمات يتردد صداها فى أذنيها :
ـ هل هو فعلا موجود ؟
أحست بقشعريرة تجتاح كل جسدها .. انتفضت ، تنهدت وهي تتمتم بفم مرتعش: اه موجود .
عاد الصوت الخافت يهتف بها : لو كان فعلا موجودا .. ليكسر هذه الجرة الآن .
اضطرب جسدها، وشعرت بأنها مقبلة على تحد كبير، سارت وقد قبضت بأناملها على مقبضى الجرة ، تسير بعين مدققة خشية أن تتعثر فى حجر أو حفرة ، فتنكفىْ .. وحين وصلت إلى ( الطلمبة) وضعت جرتها بين قدميها بكل حرص .. نظرت إلي الافق البعيد ، وهي تدفع من صدرها تنهدات متصاعدة وزفرات متلاحقة ، ثم أغمضت عينيها ،وأطبقت فمها ، منصتة إلي خفقان قلبها المتسارع .
لم تملأ جرتها عن آخرها كالعادة .. وفى طريق العودة مشت خافضة العينين ، تتحسس مواضع قدميها بعناية فائقة تثبت خطواتها خشية الإنزلاق ، تجول ببصرها فى الأرجاء تحسبا لخطر مفاجىء .. أزعجها طنين ذبابة كبيرة مرت مسرعة أمام عينيها.
وصلت إلى صحن الدار ، فى حالة إنهاك شديدة ، تتنفس بسرعة متزايدة ، عصفت بها مشاعر متضاربة ، سعادتها لنجاحها فى الوصول بالجرة سالمة ، وشعور بالهزيمة والانكسار . أنزلت الجرة من فوق رأسها بحرص وحذر بالغين ، وقبل ملامستها للأرض هوى الجزء الأسفل المنفوخ وتناثرت أجزاؤه واندلقت المياه ، وبقى الجزء العلوى للجرة معلقا فى يديها .. أصابها رعب شديد من هول ماحدث ، وقفت متصلبة فى مكانها ، فاغرة الفم ، والرعشة تغمر جسدها، وعيناها تنظران فى فزع محدقتان فى لوحة ورقية قديمة معلقة على الحائط مكتوبا عليها بأعواد التبن الذهبية " الله " .